الأفق مسدودة أمام حل أزمة النقل!

الأفق مسدودة أمام حل أزمة النقل!

152

شارع المال|

وصلتْ أزمة النقل إلى مستوى يوحي بانسداد الأفق بإمكانية حلّها في الأمد القريب، بل ما من خطط أصلاً لحلّها حتى في الأمد البعيد. وليس صحيحاً أن سبب الأزمة قلّة المحروقات، أو بيع مخصّصاتها من المازوت والبنزين في السوق السوداء، لأن الأزمة كانت قائمة حتى أيام الوفرة والبحبوحة، ولم تشهد أية انفراجات سوى لفترات محدودة جداً خلال العقود الثلاثة الماضية، وها هي تشتدّ حدّة مع شحّ المحروقات أكثر فأكثر!.

المشكلة الفعلية أن الحكومات المتعاقبة لم تكن جادة في تنفيذ الحلول الفعلية لتأمين النقل العام لملايين السوريين براحة وأمان، وما من حكومة على مدى العقود الثلاثة الماضية إلا وناقشت أزمة النقل، لكنها كانت تركز دائماً على حلّ استيراد الباصات، ومع ذلك لم تستورد أي حكومة الحدّ الأدنى من الباصات الكفية بحلحلة، وليس حلّ، أزمة النقل!.

أليس غريباً أنه ما من حكومة ناقشت حتى الآن الحلول الأخرى لأزمة النقل باستثناء استيراد الباصات، كالميترو، وقطارات الضواحي التي طرحتها سابقاً شركات يابانية وصينية، أو على الأقل تفعيل النقل بين المحافظات بقطارات سريعة؟.

حسناً، الحكومات المتعاقبة كانت منشغلة بأمور أهم من حلّ أزمة نقل تريح ملايين السوريين، ولكن ماذا عن مجالس الإدارة المحلية التي بدورها تقاعست عن ابتكار حلول مطبقة في الكثير من دول العالم؟.

أيضاً ما من اجتماع لمجلس محافظة دمشق إلا وناقش أزمة النقل في العاصمة وضواحيها، بحضور الجهات المعنية بضبط حركة الآليات وتنظيم عملها ومراقبة خطوط سيرها.. فماذا كانت الحصيلة على مدى ثلاثة عقود؟.

لم يقترح مجلس المحافظة أية حلول فعّالة لأزمة النقل، ولو جزئياً، إلا مرة واحدة منذ أكثر من خمس سنوات عندما تبنى مشروع (التكسي سرفيس) على خطوط محافظتي دمشق وريفها، لكن على الرغم من إعادة مناقشة هذا المشروع بين جلسة وأخرى فإن مصيره كان في الأدراج المنسية!.

وإذا أردنا الواقعية في التعاطي مع أزمة النقل، مادامت الحكومات جميعها ترفض أساساً مشروع الميترو، فإن الخيارات المتاحة كثيرة أمام المجالس المحلية لاجتثاث المظاهر الشاذة في الشوارع والطرقات والتي لا تحترم كرامة المواطن وتستنزفُ وقته ودخله، وتعرّضه لاستغلال السائقين.

من الخيارات الفعّالة جداً والتي يمكن تنفيذها خلال زمن قصير جداً هو تحويل سيارات الأجرة في دمشق وريفها مثلاً إلى (تكسي سرفيس)، وتشكيل لجنة ممثلة بإدارة المرور ومجلس المحافظة ونقابة النقل تعمل ميدانياً تحت جسر الرئيس تشرف مباشرة على عملها مستفيدة من نظام التتبع والمراقبة، مع تنظيم بطاقة لكل سيارة تكسي سرفيس تسجل فيها عدد سفراتها.. الخ، وهذا الحلّ يتيح زجّ طاقة نقلية تساوي أكثر من 2000 باص نقل عام؟.

وبما أن شريحة كبيرة من الناس تستخدم التاكسي، فإننا نستغربُ عدم قيام مجالس المحافظات بتنظيم عمل المكاتب الخاصة التي تؤمّن هذه الخدمة لآلاف المواطنين يومياً، وبالتالي تكون البديل النظامي لسيارات الأجرة الصفراء بعد تحولها إلى تكسي سرفيس!.

ومن الخيارات الفعّالة أيضاً تشكيل لجنة ثلاثية تشرف على عمل السرافيس بالطريقة نفسها، فلا دولة في العالم تقريباً توجد فيها وسائط نقل عام غير مسجلة في مكاتب نظامية يتعامل معها الزبائن مباشرة دون أي تدخل بين السائق والمواطن!.

أما الخيار الأكثر فعالية للنقل بين المحافظات والضواحي فهو تفعيل القطارات الكهرو ضوئية السريعة، وسبق أن تقدّمت الصين بعرض لم يناقش بجدية حتى الآن.

كما يمكن الاستفادة من دول صديقة كروسيا وإيران لتفعيل النقل بالقطارات السريعة بين المحافظات.

الخلاصة: لا تنظيم الضبوط، ولا ضبط استهلاك وسائط النقل من المحروقات، ولا مراقبة مسار عملها بنظام تتبع سيحدث انفراجاً نسبياً في أزمة النقل العام، وإنما الحلول الواقعية المستندة إلى استثمار الإمكانات المتاحة هي التي ستحلحل الأزمة، وهي كما رأينا كثيرة وفعّالة جداً في حال تنفيذها.

البعث – علي عبود