مقاربة “أكثر واقعية” لسعر الصرف.. تفاؤل بترميم الخزينة ومخاوف من الارتدادات!

مقاربة "أكثر واقعية" لسعر الصرف.. تفاؤل بترميم الخزينة ومخاوف من الارتدادات!

151

شارع المال|

لم يتأخر المصرف المركزي بالإجابة على تساؤلات المواطنين والاقتصاديين حول حديث وزير الاقتصاد بالأمس عن السماح للمصارف بشراء الدولار من المواطنين بسعر التداول، حيث تعتبر هذه المرة الثانية التي يطرح فيها مسؤول حكومي مصطلح “سعر التداول” بعد أن سبقته لذلك معاونة حاكم المركزي بتصريحها حول تصريف الحوالات بهذا السعر، لتنهال الأسئلة بعدها عن قيمة سعر التداول بنظر الحكومة وفيما إذا كان اعترافاً أو شرعنه للسوق السوداء.

رد المركزي جاء صباح اليوم عبر قرار خاص باعتماد نشرة أسعار صرف جديدة باسم نشرة الحوالات والصرافة، يسمح بموجبها للمصارف وشركات الصرافة بتسلم قيم الحوالات الخارجية الواردة وتصريف المبالغ النقدية (كاش) وفق سعر مقارب لسعر التداول (السعر المحدد وفق العرض والطلب بسوق القطع غير الرسمي)، مما يحقق _وفق نص القرار_ ميزات هامة تتمثل بتسهيل عمليات التصريف المباشر لدى المصارف، ورفع سعر تصريف الحوالات الواردة عبر شبكات التحويل العالمية كالوسترن يونيون، وحددت النشرة الصادرة اليوم سعر الحوالات والصرافة للدولار بـ6650 ليرة.

وتضمن قرار المركزي إصدار نشرتين يومياً واحدة باسم نشرة الحوالات والصرافة، والثانية باسم نشرة المصارف، حيث تطبق الأولى في شراء القطع الأجنبي نقداً من الأشخاص الطبيعيين عن طريق شركات الصرافة والمصارف العامة المرخصة، إضافة إلى شراء الحوالات الخارجية التجارية والواردة للأشخاص الطبيعيين والحوالات الواردة عبر شبكات التحويل العالمية، وتقييم البيانات المالية الدورية لشركات الصرافة المرخصة.

استعادة الثقة

القرار الجديد وما سبقه من قرارات وتعاميم في الأسابيع الأخيرة هي برأي اقتصاديين محاولة لاستعادة ثقة المواطنين وقطاع الأعمال بالمصارف في الدرجة الأولى، فضلاً عن تصحيح السياسة النقدية بالمجمل، حيث تسببت إجراءات السنوات السابقة بزيادة الحواجز وإحجام عن التعامل مع المصارف سواء بالإيداع أو حتى بتصريف الحوالات، إلا أن الأهم اليوم بنظر الخبير المصرفي الدكتور علي محمد هو استعادة الثقة بالليرة حتى يطمئن المواطن بأن مدخراته لا تخسر نتيجة انخفاض سعر صرف الليرة، فالعبرة هي بالثقة بالليرة ومن ثم الثقة بالمصارف عبر سلسلة إجراءات المركزي، موضحاً أن ماخفض الثقة نوعاً ما في الفترة الأخيرة هو تقييد السحب، وهو إجراء لا يمكن انتقاده بالكامل فقد كانت المضاربة حينها كبيرة جداً، لكنه بلا شك أثر على النشاط الإنتاجي وثقة المودعين والمواطنين بالمصارف.

ورغم التأكيد مراراً – وفق محمد- أن إجراءات تقييد السحب وحبس النقد هي للمدى القصير فقط، إلا أنها استمرت لسنتين، مبيناً أن إعادة الثقة بالليرة هو الأهم من خلال زيادة الانتاج الذي يبدو أنه يتم العمل عليه حكومياً لإعادة ألق الصناعة، بالتوازي مع إجراءات المركزي لإعادة الألق للمصارف.

مشاركة الجميع بتمويل المستوردات

ورأى محمد أن القرار الجديد ربما يشجع مكتنزي الدولار، كون السعر أصبح يصدر بشكل رسمي بما يحاكي السوق السوداء، إلا أنه قد يكون هناك عقبة تتمثل بالمرسوم 3 لعام 2020 الذي يجرم التعامل بغير الليرة، لذلك ربما يعدل المرسوم لإزالة الخوف من قبل المواطنين، مضيفاً أن المصارف اليوم ستتمكن من الحصول على قدر أكبر من القطع الأجنبي، سواء من التصريف للأشخاص أو الحوالات أو الشراء من شركات الصرافة، وبالتالي ستتكون كتلة من القطع تمكّن المصارف من إعادة دورها الريادي بتمويل بعض المستوردات التي يحتاجها البلد، لاسيما وأن القرارات الخاصة بالمنصة يتم التعديل عليها، وإضافة بعض المواد وحذف أخرى، وبالتالي قد تختص شركات الصرافة بتمويل بعض المواد التي توافق عليها وزارة الاقتصاد، وتختص المصارف بتمويل المواد الأخرى كالصناعات الدوائية والغذائية، تمهيداً لمشاركة الجميع بتمويل المستوردات، لنصل إلى معالجة تأخير التمويل عبر المنصة، ويصبح هناك توازن بسعر الصرف عند الدفع وعند توريد البضائع للسوق، مما ينعكس استقراراً بالأسعار على المدى القريب.

وبالنسبة لأسعار السلع في الأسواق ومدى تأثرها بالقرار، بيّن محمد أنه يصعب التنبؤ بهذا الأمر، إلا أنه منطقياً بوجود تطمينات واستقرار يفترض زيادة حصيلة القطع والمستوردات، مما يعطي استقراراً على الأقل للفترة القصيرة القادمة.

6 مليون دولار يومياً

بدورها وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي رأت أن الانعكاسات الإيجابية لهذا القرار تتركز بشكل كبير في جو الارتياح، والانفتاح النسبي الذي بات يشعر به المنتجون والصناعيون، حيث يعالج انخفاض مستوى المبالغ الدولارية لدى المركزي لصالح السوق السوداء ومكاتب الصرافة، أما انعكاس هذه القرارات على أسعار السلع في السوق فقد يحتاج بعض الوقت، ولا سيما أننا نتحدث عن السماح بالتعامل مع الحوالات الخارجية، فمن الصحيح أن المأمول من هذا القرار زيادة حصيلة المصادر الدولارية لدى المصرف المركزي، وهذا يعني المزيد من السيطرة على الأسواق، لكن لا ننسى أنه تأخر كثيراً.

وبحسب عاصي: تقدر الحوالات الخارجية بحوالي ستة ملايين دولار يومياً، وهو مبلغ كبير نسبياً، معتبرة أن إعادة الثقة بالنظام المصرفي يعد شرطاً أساسياً لبناء اقتصاد قوي، ولعل أول إجراءات بناء الثقة تكون بإلغاء سقوف السحب النقدي من المصارف، إضافة إلى سرعة الإجراءات وتخفيف القيود والشروط اللازمة لأية عملية مصرفية، وفي مثل هذه الحالات يعد من المفيد جداً التدرج بالإجراءات، أكثر من اللجوء للصدمات التي تسبب زعزعة السوق وتؤثر على استقرارها.

ارتدادات متوقعة

في المقابل، توقعت عاصي أن نشهد نوعاً من الارتفاع بسعر الصرف في السوق السوداء، للتأثير على قرارات المركزي والدفاع عن مصالحها، فعادةً في خطوات من هذا النوع، قد يحصل ارتداد كبير وارتفاع في أسعار الصرف، لذلك سيتعين على المركزي التعامل مع المستجدات بهذا الشأن بسرعة، والثبات على سياسته الجديدة برغم الارتدادات، وتعديل تسعيرته لتبقى متوائمة مع التغيرات في سعر الصرف، والتشدد في إجراءاته القانونية.

البعث – ريم ربيع