ما الذي يريده قطاع الأعمال من الحكومة ..؟

454

شارع المال|

لا يبدي قطاع الأعمال اهتماما بالتغيير الحكومي بحد ذاته، بقدر ما يهتم لتحسين بيئة الاستثمار والأنظمة والقوانين، التي أتاحها هذا التغيير، وإلا ما جدوى أن يأتي هذا الوزير ويذهب ذاك، إن لم يتغير التعاطي الحكومي مع هذا القطاع بمكوناته كلها تحفيزا وتسهيلا وتشجيعا للتوسع الإنتاجي أفقيا ورأسيا ..؟!

هنا تتلمس “البعث الأسبوعية” أجوبة على أسئلتها.. ما الذي يريده رجال الأعمال من الحكومة، وأي القطاعات هي الأَولى بالرعاية، وما هو حجم وشكل التسهيلات المطلوبة، وهل من مقترحات يقدمها هؤلاء، بحيث تكون محركة ومحفزة للنشاط الاقتصادي. وإلى تفاصيل هذه الأجوبة..

لم تتغير مقترحاتنا

مطالب قطاع الأعمال هي ذاتها، ولم تتغير إلا في بعض الجزئيات، التي قد تفرضها طبيعة التطورات الاقتصادية، والظروف العامة التي يمر فيها الاقتصاد الوطني، كما يقول الصناعي هيثم حلبي، الذي يرى أن هذا القطاع يركز بالدرجة الأولى على هذه النقاط.. رفع مستوى دخل الفرد ليتناسب مع التضخم الجاري، ففي عام ٢٠١٠، مثلا، كان متوسط الدخل الشهري لموظفي القطاع الخاص، أعلى منه للعام الجاري بأضعاف، وكذلك الأمر بالنسبة لنظرائهم في القطاع العام، أيضا لا بد من تسهيل وتبسيط اجراءات الاستيراد، والمساهمة على فتح أسواق خارجية أمام المنتجات المحلية، وتوسيع قاعدة الأصناف الأساسية للمواد المستوردة، ودعم وتحفيز المشاركة في المعارض الخارجية، سيما في الدول المستهدفة بالمنتجات السورية..

إجراءات وقروض..

يقول محمد حسام السراج، الذي باشر مؤخرا في تأسيس مصنع لإنتاج حليب الأطفال المجفف من عمر يوم حتى ستة أشهر، هو الأول من نوعه ليس في سورية وحسب، بل في المنطقه العربية يقول: لقد بدأنا خطوتنا الأولى بتشميل المشروع بموجب مرسوم الاستثمار رقم 8 لعام 2007، في مدينة حماة، التي أعلن مجلس مدينتها عن تخصيص مقاسم للصناعيين هناك، وكانت المساحة المخصصة للمشروع بحدود3000 متر مربع تقريبا، فيما كانت التكلفة التقديرية تفوق ملياري ليرة سورية، مع توقعات بأن يوفر المشروع أكثر من 100 فرصة عمل مباشرة، إلى جانب الفرص غير المباشرة.

ويشير السراج إلى أهمية الوقت لتسريع وتيرة إنجاز المشاريع، إذ وبالرغم من دعم الحكومة ووزارتي الإدارة المحلية والاقتصاد ومجلس المدينة للمشروع، فإننا لا بد وأن نسجل بعض الطلبات العاجلة والملحة، ومنها..الإسراع بتسليمنا المقسم الثاني المخصص للمشروع، والمساعدة في تخفيض نسبة الفائدة إلى أقصى حد ممكن، كون المشروع مشمول بالدعم الذي خصصته الحكومة لمثل هذه المشاريع، وتوجيهنا للاقتراض الأوفر من أحد المصارف العامة، مع أهمية التخفيض أو الإعفاء الضريبي، سيما في المراحل الأولى من عمر المشروع، ما يسهم في إنجاحه، داعيا إلى ضرورة استئناف القروض، بعد توقفها لأشهر، ما أربك المشاريع التي بنت جدواها الاقتصادية وخططها على قروض تقدمها المصارف العامة أو الخاصة.

 منتج محلي

يعد إنتاج حليب وأغذية الأطفال أحد أهم ركائز الأمن الغذائي الوطني، وبالنظر لكون البلاد تستورد أغلب هذه المنتجات، عمدت الحكومة إلى تصنيفها ضمن إستراتيجيتها الرامية لإحلال بدائل المستوردات لعشرات السلع، ما يسهم في تقليص فاتورة الاستيراد للسلع التي يمكن إنتاجها محليا إلى الحدود الدنيا، ويوفر القطع الأجنبي، ويحقق الاكتفاء الذاتي، ويحد من تأثيرات العقوبات الاقتصادية الجائرة على البلاد، علما بأن فاتورة المستوردات من الحليب المجفف تصل إلى 750 ألف طن سنويا.

لتنشيط الحركة التجارية

يقدم الصناعي سامر رباطة مقترحا لتنشيط الحركة التجارية، حيث يقول: إذا ما حاولنا تحليل واقع الأسواق، والوقوف على أسباب ركودها، سرعان ما نجد أن الحل يبدأ بتحسين دخل الفرد، الذي يشكل النواة التي يدور حولها كل الأنشطة الاقتصادية من صناعة وخدمات وسياحة وتجارة وزراعة وغيرها .. وهو أمر يحتاج تدخل الحكومة، من خلال توسيع ثقافة العمل الحر، والتي تعد المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر عمادها الأساسي. وإذا ما أرادت الحكومة تفعيل هذا النوع من المشاريع، ينبغي عليها تنشيط قنوات التمويل، خاصة مع إحداث هيئة ضمان مخاطر القروض، هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فلا بد من إعادة النظر بالرواتب والأجور، وخاصة مع التذبذب الحاد لسعر الصرف، وتراجع القوة الشرائية.

مطلوب أفكار ومبادارات

يضيف رباطة: ماذا لو قدم كل صناعي فكرة أو مبادرة لإنعاش الصناعة الوطنية..؟! وسأبدأ بنفسي واقترح: أن تتوافق الحكومة والقطاع الخاص – الصناعي تحديدا- على  تسجيل عمالة القطاع الخاص كاملة في التأمينات الاجتماعية، مقابل دعم يتلقاه من الحكومة، من قبيل تخفيض أسعار حوامل الطاقة وبعض الضرائب والرسوم، وأية حوافز أخرى تسهم في دعم هذا القطاع ورفع تنافسيته.. وأعتقد أن هذا المقترح يسهم في تخفيض نسبة العطالة من جهة، ويريح الحكومة من عبء توفير آلاف فرص العمل الجديدة. كما أن هذا الدعم كفيل بمضاعفة الإنتاج، لأن المنشآت ستتوسع في استثماراتها، ما يؤدي لتحسين القوة الشرائية لليرة، وبالتالي تخفيض الأسعار. ويناسب هذا المقترح الصناعات النسيجية، حيث أن إنتاج طلبية ألف قطعة من القمصان-مثلا- يحتاج إلى أكثر من 50 عاملاً، ولمدة أسبوع من العمل المتواصل، علماً بأن الخياط الواحد يتقاضى أسبوعياً نحو 50 ألف ليرة.

زراعي بامتياز..

يعتقد ركان حميدي المستثمر في إنتاج الطاقات البديلة أن الاستثمار الأهم، كان في الأمس، وهو اليوم، وسيبقى غداً، زراعي بإمتياز ..فالموارد المائية متوافرة، وكذلك اليد العاملة الخبيرة و(الرخيصة نسبياً)، والأرض القابلة للزراعة على مدار أربعة فصول, كما أن الصناعات الزراعية ذات جودة عالية، إضافة إلى أن بلدان الإستهلاك قريبة من سورية.. يعني بيئة إقتصادية شاملة كاملة متوازنة, ناهيك عن وجود زراعات مهمة جداً لكنها غير مستغلة مثل: الكمون, حبة البركة, الكزبرة اليابسة, اليانسون, ورق الغار ..

ويتابع حميدي بأن المطلوب اليوم، هو دعم الصناعات الحرفية الخفيفة والمتوسطة وتشجيعها, كونها لا تحتاج لرأس مال كبير, وتشغل اليد العاملة (الأسرية)، وتستغل الموارد المحلية ذات القيمة المضافة الكبيرة, وترشد الاستيراد ما أمكن، لذا يقترح على الوزارات ذات الطابع الإقتصادي والثقافي الإجتماعي, تأسيس فريق إستشاري متعدد الاختصاصات.. تاجر, صناعي, زراعي، حرفي وهكذا.. علهم يسشرفون حاجة البلد قبل وقوع المشكلة ..!

الشأن المعاشي أولا

يقول الخبير الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة إن استقراء واقع مؤشرات الوضع الاقتصادي للبلاد، والوضع المعيشي للناس، خلال سنوات طويلة من الحرب والحصار الاقتصادي، تؤكد أن أعباء المرحلة المقبلة ستكون ثقيلة جدا على حكومة أمامها حزمة كبيرة من الصعوبات المطلوب معالجتها، في ظل تواضع الموارد والقدرات اللازمة لتلك المعالجة، وهذا يقتضي مهارات خاصة من الحكومة، لحسن توظيف هذه الموارد والقدرات، وتعظيم المردود أو العائد منها..

مما لاشك فيه، إن الشأن المعاشي يتصدر أولويات المهام الحكومية، وهذا ما أكده السيد الرئيس بشار الأسد، خلال استقباله أعضاء الحكومة مؤخرا، وأيضا النهوض بالواقع الاقتصادي بقطاعات النشاط الاقتصادي كافة، وأعتقد من وجهة نظر شخصية- والحديث هنا لقرنفلة- أن مستوى تعاون الوزراء كافة، وتكامل عمل الجهات الحكومية، والخروج عن النمط التقليدي للحكومات السابقة، سيسهم في دفع وتعظيم جهود الوزارات كافة، ويقود الى تحقيق النتائج المطلوبة..

وأضاف قرنفلة أن الاقتصاد الوطني عانى، خلال السنوات السابقة، من صعوبات كبيرة بسبب عدم ترابط الفعاليات والجهات الحكومية، والتي كان أداؤها باهتا، ولا يتناسب والإمكانات الموظفة لها.. ويالتالي فإن تحفيز وتنشيط مفاصل الاقتصاد، سيما في مجال الزراعة، يتطلب من الحكومة العمل بشكل جماعي لوضع رؤى وخطط تنفيذية، للنهوض بقطاع الزراعة كونه الحامي للاقتصاد الكلي، وتوفير مستلزمات عمله في الأوقات والأماكن المناسبة، وكذلك تسهيل عمليات تصنيع المنتحات الزراعية، وتشجيع القطاع الخاص على الدخول بشكل واسع في هذا النشاط، نظرا لديناميكيته العالية في التسوق والتصنيع والتسويق.. وهنا لا بد من تفعيل دور مؤسسات الدولة في مجال توفير مستلزمات الإنتاج وامتصاص فوائضه لتجنيب المزارعين أية خسائر محتملة.

هناك قاعدة واسعة من التشريعات في المؤسسات الحكومية كافة، وفقا لقرنفلة، وهي في أغلبها صالحة لمساعدة أي وزير لإعادة توظيف الإمكانات المتاحة لوزارته، وأهمها العامل البشري.. وبالتالي لا بد من تأكيد أهمية اختيار المديرين ورؤساء الأقسام، وفق معايير علمية، بعيدا عن الوساطات ومحاباة الغير، لأن المرحلة لا تحتمل أي فشل هنا أو هناك، وهذه المعايير يجب ألا تستند على مستوى التعليم فقط، بل على الخبرة الحقلية التراكمية في ميدان العمل، وعلى الاستعدادات الشخصية للمرشح للعمل في الخدمة العامة.

شقة لكل أسرة..

هناك من يعتقد أن مشكلة السكن، أصبحت من أكثر القضايا العالقة في البلاد، بل باتت تشكل الحامل الرئيس لغيرها من المشكلات، بدليل ما تعانيه مناطق السكن العشوائي والضواحي القريبة من المدن الكبرى، على وجه التحديد، وكيف أنها “فرّخت” صعوبات كثيرة سواء لتخديم هذه المناطق، إما للسكان قاطنيها، أم للمناطق المجاورة الواقعة ضمن المخططات التنظيمية، في وقت كانت المؤشرات التقديرية، حتى عام 2010، تفيد بوجود 500 ألف شقة شاغرة بشكل أو بآخر.. !

قدم رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب السابق الدكتور رضوان المصري، في وقت سابق، مقترحا موجها للحكومة لحل مشكلة السكن، ويتمثل هذا المقترح بتأمين شقة لكل أسرة، دون أن تتحمل الحكومة أية تكاليف، بل يطلب منها فقط أن تقدم أرضا مجانية لمن يريد أن يبني، شريطة أن يبني شقتين واحدة له والأخرى لصالح الإسكان، أي للشعب، ما يوسع المعروض والمتاح من المساكن أمام طالبيها.

وبإمكان الحكومة أن تبدأ في مثل هذه المشاريع، حسب المصري، كالآتي.. تقدم الأرض للشركات العقارية والمقاولين والراغبين بالبناء مجانا، ثم تبني هذه الجهات نصف العقار، كما تريد، أي مساكن، أبراج، مراكز تجارية، .. فيما تبني نصفه الآخر شققا سكنية توضع تحت تصرف الحكومة، التي تمنحها لمن لا يمتلك سكنا بسعر التكلفة، وبأقساط طويلة الأجل وميسرة، ثم بمرور الوقت تصبح لدينا مدن متكاملة الخدمات، وهذه ترفع معدلات التشغيل، وتزيد تدفق الاستثمارات، وتخلق مزيدا من فرص العمل، والأهم من هذا كله، أنها تسهم في حل مشكلة السكن، التي لم يستطع أي من الحكومات المتعاقبة حلها، أو حتى تقليص تداعياتها وآثارها الاقتصادية والاجتماعية.. !

البعث الأسبوعية – أحمد العمار