“الراحة الحورانية” صناعة يمتد عمرها إلى ما يقارب القرن من الزمن..تغزو أسواق أوروبا

536

شارع المال|

يعود تاريخ صناعة الراحة في حوران إلى خمسينيات القرن الماضي على يد بعض الوافدين من فلسطين، والبعض الآخر ذهب إلى أن تاريخها يعود لعام 1920 عن طريق الأتراك، ما أتاح لأبناء حوران تعلم هذه المهنة والإبداع فيها، لتأخذ فيما بعد شهرتها عبر عقود من مثابرة أبناء المهنة على تطويرها حتى وصل عدد أنواعها لأكثر من ٢٠ نوعاً.

يوجد في محافظة درعا عديد الحرفيين والمصنعين البارعين بصنع هذه الحلوى الذين توارثوا هذه المهنة عن آبائهم وأجدادهم ويجيدون صنعها بالشكل اليدوي رغم  تطور الآلات وإمكانية صناعتها بشكل نصف آلي..فهذه القطع الصغيرة المربعة أو المستطيلة ذات المذاق الطيب شكلت مع قطعة من البسكويت وجبة شعبية مسلية ولذيذة، استطاعت أن تجعل من حوران مقصدا للسياح لتذوق هذه الحلويات، وأصبحت موضع فخر لمحافظة درعا، فصانعو الراحة يفخرون براحتهم ولاسيما بعد أن باتت تنتشر ليس في سورية فحسب بل تعدتها إلى دول العالم العربي وبعض الدول الغربية..!.

استطاع صناع الراحة الدخول في كتاب غينيس للأرقام القياسية عام 2009 من خلال صنع أكبر مكعب راحة في العالم بطول متر واحد وعرض ٦٠ سم ووزن ٤٠٠ كغ، وأخذت عملية تحضيره ما يقارب شهر بأيدي وخبرات شيوخ الكار في درعا.

تحضر الراحة بشكلها التقليدي عادة على شكل لوح كبير بطريقة فنية وبمقادير متجانسة من السكر والقطر والنشاء والمسكة ذات الطعم المتميز والرائحة الذكية، إضافة إلى حمض الليمون والمنكهات الطبيعية، ويذكر يوسف مسالمة صاحب معمل راحة أنها يجب أن تطبخ على نار هادئة لمدة ساعتين ويتم فيما بعد تبريدها في قوالب، وتقطع إلى مكعبات صغيرة متساوية الحجم والشكل، وتوضع في علب كرتونية مغلقة بشكل جيد، ويرش بين المكعبات بعد وضعها ضمن العلبة مطحون السكر الناعم لكي تبقى الراحة طرية ولا تلتصق ببعضها.

وأضاف مسالمة أن طرق صناعة الراحة تطورت خلال السنوات الأخيرة الماضية وصار أصحاب المعامل يتفنون في صنعها عبر تقديم أنواع كثيرة منها سواء بإضافة المكسرات أو الفواكه أو جوز الهند والملونات الصحية، لتعطيها مظهرا جميلا، ولتزداد مع هذه الإضافات الجميلة القيمة الغذائية للراحة وتمنح من يتذوقها الشعور بالدفء خاصة في أيام الشتاء لاحتوائها على كميات كبيرة من السكر.

وحول أنواع الراحة الحورانية يشرح لنا الحرفي فواز أبو زريق صاحب أقدم معمل راحة في درعا، أن هناك أنواعا كثيرة منها تم تطويرها عن الراحة التقليدية المعروفة، ولكن يبقى سر مذاقها اللذيذ يكمن ببصمات المصنعين لها، فكلما كان المُصنع خبيرا بطريقة تحضيرها وبالمقادير الصحيحة لها، قدّم راحة بمذاق لذيذ ومتميز، مبينا وجود عدة أنواع منها المحشي بالفستق الحلبي أو اللوز والمعجونة بالفواكه والمرشوشة بالسكر الملون، مضيفاً أن طريقة تقديم الراحة في علب كرتونية فاخرة ساهم في انتشارها أيضا، إذ يتم بعلب كرتونية منظمة ومنسقة بشكل أنيق وجذاب مع الالتزام بوضع كافة البيانات الصحية على كل علبة تتضمن ما تحتويه من مكوناتها الغذائية والسعرات الحرارية.

عبد الوحيد العوض مدير صناعة درعا بين أن معامل الراحة في درعا تعرضت للكثير من الأضرار والتعديات خلال سنوات الحرب، إذ كان يصل عددها إلى ٧٠ منشأة حرفية متوزعة على كامل أرجاء المحافظة، في حين يصل عدد المنشآت التي تعمل حاليا لحوالى ٢٠ معملا بعد عودة الأمن والأمان والاستقرار لربوع المحافظة.

وذكر العوض أن قسم كبير من الراحة يتم تصديره للأردن ودول الخليج، والفائض من إنتاج المحافظة يورد للمحافظات الأخرى، عن طريق الزوار الذين يزورون المحافظة كعرف وتقليد وذكرى، مضيفا أن هناك عدد من المغتربين السوريين في الأردن ولبنان ومصر وبعض دول أوروبا لم ينسوا ماورثوه عن أجدادهم في صناعة الراحة واستطاعوا أنْ ينقلوها إلى كل مكان حطّوا رحالهم فيه، وأقاموا منشآت صغيرة لصناعة الراحة في تلك البلدان ونشروا هذه الصناعة ولاقت إقبالا ونجاحا كبيرا.

الزائر إلى محافظة درعا بإمكانه وبسهولة أن يعثر على محال لبيع الراحة دون عناء البحث عنها لكثرة انتشارها وتوزع أماكن بيعها، فيستطيع أنْ يجد محلات الراحة في معظم الشوارع والأحياء تقريبا، ويمكنه تذوّق ما يريد قبل أن يقرر ما يرغب في شرائه واختيارالنكهات والتعرّف على المكونات لتكون تجربته مع الراحة أكثر إمتاعا.

يبقى أن نشير إلى تمسك المجتمع الحوراني بماضيه وأصالته عبر محافظته على أبسط مكونات الحياة ومنها هذه الحلوى لما تحمله من ذكريات الأجداد وعبق الماضي والتي استطاعت أن تضيف شكلا من أشكال الألفة والمودة في مجالس الشتاء وتكسبه دفئا ومذاقا حلوا علّه يخفف مرارة هذه الأيام.

البعث الأسبوعية – دعاء الرفاعي