المشكلة ليست في آلية إيصال المواد المدعومة لمستحقيها ورقياً أو نقداً وإنما بالوفرة وبالقدرة الشرائية!

المشكلة ليست في آلية إيصال المواد المدعومة لمستحقيها ورقياً أو نقداً وإنما بالوفرة وبالقدرة الشرائية!

170

شارع المال|

يصر عدد من “المنظّرين” على الدعم النقدي بديلا عن دعم السلع الأساسية بذريعة تجفيف منابع الفساد، لكنهم لم يقدموا أية أدلة على صحة أقوالهم، متجاهلين أن ملايين السوريين ليسوا عيّنة للتجارب والتجريب!

ومصطلح“وصول الدعم لمستحقيه” ليس جديدا، فهو متداول منذ تسعينات القرن الماضي، بل سبق ودخل حيز التنفيذ للمرة الأولى في عام 2009 تحت مسمى “شيكات المازوت المدعوم”، وكانت مقدمة للبدء برحلة تحرير أسعار المحروقات المستمرة دون أي توقف حتى الآن!

ولعل أخطر دعوات الدعم النقدي هي التي تطال الخبز، والذريعة أبدا ودائما وقف الهدر والفساد وتحسين نوعية الرغيف!

والملفت أن المناقشة تدور دائما حول النتائج وليس حول الأساس، فلو أن الحكومة قامت بتعديل الرواتب والأجور مثلما تفعل مع السلع والخدمات التي تنتجها مع كل تعديل لسعر الصرف لما احتاج ملايين السورين إلى الدعم السلعي إلا في حدوده الدنيا!

ويبدو أن الحكومة في وارد الاستجابة لمطالب المنظرين الذين يتجاهلون عمدا أوقصدا المخاطر الناجمة عن إلغاء الدعم السلعي واستبداله بالدعم النقدي، بدليل الكشف عن دراسة على طاولة اللجنة الإقتصادية محورها تحويل كتلة الدعم وهي بقيمة 5 آلاف مليار ليرة إلى مبالغ مالية توزع كرصيد يتم شحن البطاقة الإلكترونية به، يسمح لحاملها بشراء أي مادة موجودة في صالات السورية للتجارة!!

ولايشير أي منظّر للدعم النقدي، إن دعم المازوت بشيكات نقدية لأكثر من 5 ملايين أسرة في عام 2009 ألغي في العام التالي، واضطرت هذه الأسر منذ ذلك التاريخ إلى شراء المازوت بالسعر الذي ترفعه الحكومة عاما بعد عام، أي أن الدعم المباشر الفعلي والملموس للمازوت تبخّر منذ عام 2009!!

حسنا، لتفترض أن الحكومة صرفت الدعم نقدا لملايين الأسر الحاملة للبطاقة الذكية في عام 2023 .. فمن سيضمن أن لاتتآكل قدرتها الشرائية مع أول تعديل جديد لسعر الصرف، بل من سيضمن أن لاتنخفض القوة الشرائية لكتلة الدعم النقدي عندما ترفع الحكومة أسعار السلع المدعومة كما فعلتها مؤخرا مع مادة المازوت؟

كما نعرف اعتمادات كتلة الدعم محددة في الموازنة العامة، فإذا كانت هذه الكتلة لاتنفق بكاملها على السلع المدعومة باستثناء الخبز، فهل يتوقع المنظرون زيادة الدعم النقدي مع كل زيادة في أسعار المحروقات والمواد الأساسية؟

من الغريب جدا أن لا يلاحظ منظّرو الدعم النقدي، أن وزارة التجارة الداخلية قلصت توزيع أسطوانات الغاز من 12 أسطوانة إلى 3 أسطوانات سنويا، وقلصت مادة المازوت المدعوم من 1100 ليتر إلى 100 ليتر سنويا في أحسن الأحوال، وقلصت توزيع مقننات السكر والأرز من الشهري إلى ثلاث دفعات سنويا، وإلغاء مواد كانت مدعومة كالزيت النباتي والشاي..!!

والسؤال: إذا كان الاتجاه نحو تخفيض كميات المواد المدعومة وزيادة أسعارها المرة تلو المرة بما فيها الخبز، فهل يتوقع المنظّرون أن القوة الشرائية لكتلة الدعم النقدي المخصصة لكل أسرة ستصمد لأكثر من أشهر قليلة؟

وقبل أن يبدي المنظّرون حرصهم على اجتثاث الإتجار بالمواد المدعومة من فاسدين ومفسدين فليجيبوا على سؤال: لماذا لم تجد المواد المقننة الموزعة بقسائم ورقية طيلة عقود طريقها إلى السوق السوداء؟

المشكلة ليست في آلية إيصال المواد المدعومة لمستحقيها ورقيا أم آليا أو نقدا، المشكلة كانت وستبقى في الوفرة، وبالقدرة الشرائية لدخل ملايين الأسر السورية.

الخلاصة: لا للدعم النقدي طالما أسعار السلع والمواد الأساسية وخاصة حوامل الطاقة غير مستقرة ولا مضبوطة، ولا للدعم النقدي بالمطلق مع سعر صرف متذبذب، فالحكومات المتعاقبة التي لم تقم بتعديل الأجور ولا مرة واحدة بما يوازي تعديلها لأي سعر جديد للصرف، وبالتوازي مع رفعها لأسعار المنتجات والخدمات..وهذه الحكومات التي كانت دائما تقلص حجم المواد المقننة، وترفع أسعارها أيضا بما فيها الخبز، يؤكد لنا أن أي حكومة حالية أوقادمة لن تزيد القوة الشرائية لكتلة الدعم النقدي سواء عند زيادة الأسعار أو بعد أي تعديل لسعر الصرف!

البعث – علي عبود