هل يعيد “الكشف عن الذمم المالية” الأمور إلى نصابها..؟

1٬001

 

 

 

 

هل يعيد “الكشف عن الذمم المالية” الأمور إلى نصابها..؟

من المؤسف حقاً أن يُقطعَ الصلاحُ بسيادة الفساد، ليصبح الأول عرفاً شاذاً والثاني منهجاً سائداً، في زمن عمَّ فيه الفساد وبات الفاسدون يعيرون الصالحين بصلاحهم، ويتخذهم السفهاء سخرية بمجالسهم..!.

لسنا بوارد عرض سرديات من واقع متخم بارتكابات تشخص ظاهرة الفساد من أصغر موظف لبيع الطوابع بطرق غير قانونية، إلى مسؤول متنفذ يجيد اللعب وحبك الصفقات المشبوهة من تحت الطاولة، إذ أن مثل هذه الأمور صارت معروفة بإطارها العام للقاصي والداني، بينما تفاصيلها تقبع في أدراج مَرَدَة المتاجرين بالمصلحة الوطنية..!.

وفي حضرة مناقشة مشروع قانون الكشف عن الذمم المالية خلال ورشة العمل التي أقامتها وزارة التنمية الإدارية الأسبوع الماضي، نأمل أن يعيد مشروع هذا القانون الأمور إلى نصابها، بحيث يعود الصلاح ليكون قاعدة ونهجاً، ويصبح الفساد ديدناً شاذاً ومرفوضاً..ويحضرنا في هذا المقام أن نستذكر مشروعي قانوني إحداث هيئة مستقلة تسمى هيئة مكافحة الفساد، والكسب غير المشروع، اللذين ناقشهما مجلس الوزراء أيام حكومة عادل سفر، ونتذكر وقتها سقف الطموح الذي كان معوّلاً الوصول إليه من خلال تطبيقهما، خاصة فيما يتعلق بما يحصل عليه الموظف أو القائم بخدمة عامة من مال لنفسه أو لغيره عن طريق استغلال أعمال أو نفوذ أو ظروف وظيفته أو خدمته العامة، إذ أن كل زيادة في مال الموظف أو القائم بخدمة، أو مال زوجه وأولاده القصر لا تتناسب مع مواردهم ويعجز عن إثبات مصدر مشروع لها، سيندرج تحت الكسب غير المشروع، إضافة إلى ما يحصل عليه أي شخص طبيعي أو اعتباري من مال ومكاسب بالتواطؤ مع موظف أو قائم بخدمة عامة عن طريق استغلال وظيفته أو خدمته العامة…!.

إلا أن أياً مما سبق لم يبصر النور  لا بل لم يُعرف إلى الآن مصير هذين المشرعين، -ونأمل بالطبع أن لا يكون مصير مشروع قانون الكشف عن الذمم المالية مثل مصير هذين المشروعين- ما يشي بعدة احتمالات فإما أن القصد من الترويج لهما وقتها كان يندرج ضمن سياق التسويق لحكومة سفر وفريقها الحكومي آنذاك، أو أن ثمة من وأدهما كونهما يقضان مضاجع الكثير من المستفيدين من الفساد ومنظومته ضاربة الأطناب، أو ربما تم غض الطرف عنهما مبدئياً لإعطاء فرصة للهيئة العامة للرقابة والتفتيش، والجهاز المركزي للرقابة والمالية، لإعادة ترتيب أوراقهما لاستعادة المبادرة تجاه تقويض رموز الفساد وأعوانه..!.

وهنا نرجح الاحتمال الثاني خاصة مع ظهور طبقة من أمراء الحروب وتجار الأزمات، والتي من مصلحتها ليس إبقاء الوضع على ما هو عليه فحسب، بل ابتكار أساليب غير تقليدية لزيادة مستوى الثراء قدر المستطاع..!.

ويبقى أن نشير إلى أن هذا الواقع السوداوي بات يستوجب حلولاً استثنائية، لعل أبسطها إعلان أسماء كبار الفاسدين في حال فتح ملفاتهم وإحالتهم إلى القضاء، فمنذ أيام الحكومة السابقة –وكذلك الأمر بالنسبة للحالية- والحديث يدور حول فتح ملفات ليست سهلة لبعض الفاسدين، إلا أنها لا تزال بمنأى عن عين الإعلام، والتي نعتقد أن تسليط الضوء عليها سيكون بمنزلة العبرة لمن يعتبر..!.

رئيس التحرير

حسن النابلسي