بيضنا يتكسر لأننا مصرون على وضعه في “سلة واحدة”…!.

881

شارع المال

لا تكاد أسعار البيض تتحسن، ويستبشر منتجوه بتحقيق بعض الأرباح، بل باسترداد التكاليف على أقل تقدير، حتى تنخفض من جديد في تذبذب حاد، يصعب قياسه والتنبؤ بنتائجه، ثم تعاود الارتفاع من جديد، فيما يشبه الحركة النواسية غير المكتملة وغير المنتجة، والتي من أبرز نتائجها، فقدان الأرباح وخسارة رأس المال، وبذا تحجز صناعة البيض، كما الدواجن عموماً، مقعداً لها في حافلة الصناعات الخاسرة، والطاردة لعمالتها، لتصبح عبئاً استثمارياً..!

البيض الذي كان..

وصل إنتاج البلاد من البيض قبل الأزمة، وفقاً لمؤشرات وزارة الزراعة، إلى نحو 3.4 مليارات بيضة، فيما تراجع حالياً مسجلاً نحو ملياري بيضة، إذ إن العملية الإنتاجية ثابتة ومستقرة، بيد أن دخول أو خروج مداجن يسهم في ارتفاع أو انخفاض الأسعار، حيث تشكل تكلفة الأعلاف المستوردة غالباً 75% من الإنتاج.

يقول الاستشاري الدكتور سعد بساطة إن سورية كانت، قبل الأزمـة، الرابعـة عربياً بإنتاج البيض، بعـد مصر والمغـرب والجزائر، وفي المرتبة 39 بين 240 دولة حول العـالم، حيث بلغ الإنتاج 5.5 مليارات بيضة، يستهلك منها محلياً 3.25 مليارات، فيما تصدر بقية الإنتاج، علماً بأن الدجاجة تبيض في المتوسط العالمي حوالى 170 بيضة سنوياً، وأن الدجاج المحلي يعد جيداً إنتاجياً.

عن السعر العادل

إزاء ذلك كله، يسأل المستهلك: هل ثمة سعر عادل لسعر صحن البيض، ولماذا على المربي أو المستهلك أن يدفعا ثمناً باهظاً باستمرار؟! يجيب خبير الإنتاج الزراعي المهندس عبد الرحمن قرنفلة بأن من الصعب تحديد هذا السعر بدقة؛ لأن مدخلات الإنتاج والنقل والأدوية وغيرها هي عوامل متغيرة على نحو حاد، يضاف إليها متغير التصدير، الذي تحكمه عديد العوامل، ولاسيما تلك المتعلقة بالتبادل التجاري للدول المتجاورة، بالنظر لكون هذا المنتج يستهلك طازجاً؛ لذا شكلت السوق العراقية الوجهة المفضلة للصادرات السورية من البيض، مع كميات إضافية سبق وأن صدرت إلى السودان والإمارات وقطر ورومانيا.

أبرز المشكلات

لا تختلف المشكلات التي يعاني منها قطاع إنتاج البيض جوهراً، وإن اختلفت شكلاً، ولعل من أبرزها.. مشكلات إدارية وفنية تتعلق بتنظيم هذا القطاع، وبالتراخيص وبالإنتاج غير النظامي، فوضى الإنتاج والمداجن التي تعمل في الظل، غياب إجراءات الأمن الحيوي وشروط السلامة؛ ما يزيد نفوق القطيع ويرفع التكاليف، تذبذب الأسعار الناجم عن عرض وطلب غير مستقرين، غياب وعد استقرار منافذ التصدير، حيث يعول عليه في امتصاص فائض الإنتاج، إلى جانب عديد المشكلات الأخرى.

وبعض الحلول

يؤيد قرنفلة فكرة تشجيع الاستهلاك كحل مهم للتغلب على مشكلة فوائض الإنتاج، وهذا يتطلب زيادة القوة الشرائية للمستهلكين، بالتزامن مع زيادة دعم سعر البيض عبر سياسات حكومية مدروسة وموجهة، ومن الحلول أيضاً، تجفيف البيض وتحويله إلى مسحوق (بودرة)، وبالتالي زيادة مدة حفظه، التي تؤدي لإطالة فترة صلاحيته وتصديره لأشهر، وربما لسنوات، مع توفير متطلبات وتكاليف عمليات التبريد، كما أن وجود مثل هذا المسحوق في الأسواق المحلية، قد يفرض عادات استهلاكية جديدة بين السوريين.

بعض الخاسرين

مؤخراً، مُني منتجون كثر في محافظة درعا -التي تعد إحدى أهم المحافظات المنتجة للبيض والدواجن، ولاسيما في ريفها الشمالي الغربي، حيث يقدر عدد المزارع في تلك المنطقة بالمئات- بخسائر كبيرة، دفعت ببعضهم لرهن عقار أو بيع مصاغ لسداد التزاماته تجاه الموردين، في قطاع يعرف بأنه، إلى جانب قطاع إنتاج الخضار، واحد من أكثر القطاعات خسارة، إذ يضحي المربي بموسمين أو أكثر حتى يظفر بربح واحد، هذا إن ربح..!

ويعزو رئيس غرفة زراعة درعا المهندس جمال مسالمة أسباب هذه الخسائر بالطفرة الهائلة في الإنتاج التي تشهدها عادة هذه الفترة من العام، وقلة الاستهلاك المحلي، وغياب منافذ التصدير، وارتفاع التكاليف التي باتت تلتهم الأرباح، فضلاً عن رأس المال، وعشوائية الإنتاج والتصريف، وغياب المربين عن حضور الفعاليات، التي تتعلق بتطوير هذا القطاع، خاصة تلك التي تنظمها لجنة الدواجن في الغرفة وفي غيرها، طالباً من الإعلام للمساعدة في زيادة الترويج لرفع معدلات الاستهلاك، التي تعد منخفضة محلياً قياساً بدول الجوار والإقليم.

أهمية الصناعة

تسهم صناعة الدواجن المحلية في دعم الاقتصاد الوطني، وتحقق وفراً اقتصادياً مهماً، كونها تشغل شرائح واسعة من المهندسين والأطباء البيطريين والفنيين والإداريين والعمالة العادية، كما تسهم في استقرار الأمن الغذائي، إذ إن مثل هذه الصناعة مهمة جداً لتزويد المستهلكين بالبروتين الحيواني، ففي الوقت الذي تشكل فيه لحوم الدواجن أكثر من 40% من اللحوم في الأسواق المحلية، فإن طبق البيض هو طبق رئيس على موائد السوريين؛ ما يستوجب حلولاً حكومية جذرية ومستدامة للمشكلات المستعصية، التي يعاني منها هذا القطاع الاقتصادي والحيوي بامتياز.

البعث – أحمد العمار