مغترب يقدم سيارتي إسعاف.. وبسبب الروتين والإهمال يكلف بـ(5 ملايين) رسوماً وضرائب!

396

شارع المال|

لم يكن في حسبان أحد المغتربين، أنه وبتقديمه سيارتي إسعاف بتاريخ 1/10/2020 لمصلحة (وزارة الصحة/ مديرية صحة حمص- وهيئة مشافي القلمون في النبك) سيدخل دوامة من التعقيدات والإجراءات وإرسال الكتب الرسمية المتعلقة بالموافقة على قبول التبرع!، والذي يُفترض ضمناً أن يعفيه من كافة الرسوم الجمركية والضرائب والعوائد المالية الأخرى، ليضطر لاحقاً لدفع كل ما ترتّب عليه من رسوم وضرائب ومصاريف وصلت تقريباً إلى خمسة ملايين ليرة سورية، وفق ما أوضح وكيل المتبرع!!.

بحاجة شديدة

باختصار شديد.. نحن بحاجة شديدة للكثير من المستلزمات والتجهيزات، سواء الطبية أو غيرها، والحصار والعقوبات المفروضة على بلدنا من قبل أعداء الإنسانية، تمنعنا من استيراد أهم لوازم ومتطلبات الحياة، بما فيها الغذاء والدواء، ولا يخفى على أحد النقص الكبير الحاصل في معظم المستشفيات، ووصل في إحدى المرات، لدرجة الطلب من أهل المريض نفسه في أحد المشافي أن يقوموا هم بشراء “الجبصين”. لذلك من الطبيعي ونحن نعيش ظروفاً صعبة جداً ونتعرض لحصار وعقوبات قاسية، أن تقوم الجهات المعنية بتذليل كل العقبات أمام من يريد أن يقدم خدمة للبلد، ومن البديهي في مثل هذه الحالات أن تكون المعاملة مختلفة مع من يريد أن يقدم خدمات أو تبرعات لأي جهة رسمية، وألا نتعامل معه كما جرت العادة، على أنه مراجع عادي لديه معاملة ويتوجّب عليه الوقوف على قائمة الانتظار!. وهذا طبعاً كله ندرجه تحت إطار “حُسن النية”!، فإذا كان هذا أسلوب تعاملنا مع متبرع هدفه الوحيد خدمة بلده، فكيف الوضع إذن مع مريض أو مع مواطن لديه مشكلة ما؟!.

في الواقع، القضية هنا لا تتعلق فقط بوزارة الصحة، بل بكل الوزارات التي يُفترض أن تتأهب لإنجاز مثل هذه المعاملات بأقصى سرعة للتخفيف من وطأة معاناة المواطنين، واختصار الوقت وتوفير المصاريف بغضّ النظر عن تفاصيل الشكوى المُقدمة إلينا، لأنه في المقابل لدينا مواطن مُستنزَف ينتظر أن نخفّف عنه وجعه وتعبه، وبالتالي المسؤولية مشتركة بين كل الجهات، سواء الصحة أو المالية أو الجمارك.. أو غيرها.

عقبات وعراقيل
حتى تتمكّن من إنجاز أي معاملة مهما كانت بسيطة، في معظم الدوائر الرسمية، من الضروري أن يكون نَفَسُكَ طويلاً، وصبرك لا حدود له، فالموضوع أصبح اعتيادياً ومن الفلكلور، بل على العكس تماماً، الغريب هو أن تُنجز معاملتَك من دون تأخير أو مماطلة، لتستمر حلقات مسلسل الروتين والبيروقراطية، حتى ونحن نعيش أصعب الظروف وأقساها.
بدأت رحلة سيارتي الإسعاف المتعثرة منذ لحظة وصولهما، فبعد الانتهاء من كل الإجراءات الجمركية اللازمة والكشف من قبل اللجنة الفنية المُرسلة من وزارة الصحة تبيّن وجود نقص في بعض التجهيزات (بطارية وبعض القطع الأخرى)، ولسنا هنا بصدد تحديد أو السؤال عن الجهة التي قامت بفعل السرقة، ما اضطر المتبرع لأن يُجري صيانة كاملة وإعادة كل النواقص، التي وصلت تكلفتها إلى مليون و200 ألف ليرة للسيارة الواحدة من حسابه الخاص، ليوضح فيما بعد أن من تبرع بسيارتي إسعاف لن يقف عند مبلغ 5 أو 6 ملايين ليرة، ولكن التأخير والعرقلة وإضاعة وقت الناس، ألا يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار؟، مضيفاً: مدة ثلاثة أشهر، أليست كافية لإيصال هدية لمستحقيها مهما صادف الأمر من عراقيل وعقبات؟!، خاصةً وأن آخر جواب تلقاه من المعنيين في الوزارة منذ حوالي 20 يوماً، بيَّن أنها -أي الوزارة- تنتظر ميزانية من وزارة المالية لتتمكّن من تسديد رسوم ما يُسمّى “تنمير السيارتين”، مؤكداً أنه كان على استعداد لدفع قيمة “تنمير السيارتين” والتي تبلغ نحو 100 ألف ليرة لكل منهما فقط لينتهي من هذه الدوامة.

الجهل بالإجراءات!
مصدر في وزارة الصحة اعتبر أنَّ المشكلة فردية، مؤكداً أنه لم تصلهم أية شكوى مِن قَبل بهذا الخصوص، وحمَّل المتبرع المسؤولية لأنه وبسبب جهله بالإجراءات ترتب عليه دفع الرسوم والضرائب، وهو مبلغ بسيط برأي المصدر!!، مضيفاً: ما تمّ سرقته من السيارتين هو عبارة عن” بطارية وغطاء صغير وبعض القطع الأخرى”، معتبراً أن فعل السرقة لا بد أنه حدث قبل وصول السيارتين إلى الحدود، وما سُرِقَ لا يحتاج تجهيزه إلى أكثر من (ثلاثة أرباع الساعة!!)، وأن التأخير الحاصل اليوم سببه المتبرع، وخاصةً مع دخولنا السنة الجديدة -والكلام ما زال للمصدر-، وبالتالي يجب أن ننتظر الميزانية، والتي حال وصولها سيصبح الموضوع بحكم المنتهي خلال فترة قصيرة جداً، ويتمّ استكمال ما تبقى من إجراءات لتُسَلَّم السيارتان إلى الجهتين المُرسلتين إليهما.

أضعف الإيمان
إنَّ طرحنا لهذه الشكوى ليس إلاَّ لتسليط الضوء على استمرار التعاطي بالعقلية نفسها في العمل، وعدم التفريق بين الأزمات والحالات الطارئة والأوضاع العادية والطبيعية، لذلك جُلّ ما نتمناه، ليس القضاء على الروتين لأنه لن يحدث بين ليلة وضحاها، ولكن على الأقل الحدّ منه، لأنه فتك وما زال بكل مفاصل مؤسساتنا وعطَّل وأخَّر إنجاز الكثير من الملفات المهمّة والمُلحة في وقت حساس وصعب، وخاصةً مع غياب الإمكانيات، لأننا في محصلة الأمر نسيء لسمعة مؤسساتنا ونسيء للمواطن سواء داخل البلد أو خارجه.
والمفارقة العجيبة أنَّ مشفى يعدّ من أكبر المشافي السورية، وهو المواساة الجامعي التابع لـ”وزارة التعليم العالي” يفتقر لوجود سيارة إسعاف فيه، حيث يضطر المواطن لطلب سيارة من الإسعاف السريع، وإذا احتاج المشفى لسيارة يطلبها من الهلال الأحمر.
في دول أخرى يقوم المحافظ أو الوزير أو المسؤول المعنيّ بالأمر باستقبال المتبرعين الذين يقدمون خدمات من هذا النوع لبلادهم في مكتبهم الخاص وشكرهم على ما قدموه، فهل سنصل نحن في يومٍ من الأيام إلى استشعار أهمية مثل هذه المبادرات وضرورة تشجيعها ودعمها، عوضاً عن التهرب من المسؤولية، وإلقاء اللوم على الأطراف الأخرى، وتحميلها مسؤولية عدم معرفتها وجهلها بالإجراءات والترتيبات التي يتوجّب عليها اتباعها؟!.

البعث – لينا عدرة