كيف يمكن أن يقتنع المواطن بفعالية الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش؟

437

شارع المال|

لطالما اعتبر الفساد والاحتيال من معوقات الاقتصاد عالمياً، وما التقارير العالمية المتعلقة بهذا الموضوع إلا دليل وإثبات مادي وموضوعي لذلك، فالفساد والاحتيال من أهم عوامل تراجع النمو الاقتصادي وصولاً لتدمير الاقتصاد في البلدان التي يتماديان فيها لحد بعيد، كما أنهما من أهم العوامل التي تلطخ سمعة مؤسسة ما وقطاع ما وصولاً لإساءة تصنيف كيانات اقتصادية في الدولة المعنية بما فيها اسمها على الصعيد العالمي، وغالباً ما يترافق الفساد مع الاحتيال بمضمونه العام سواء أكان احتيالاً مادياً أم معنوياً بما يؤدي في النهاية إلى تراجع المؤشرات الاقتصادية للمؤسسات وللاقتصاد بشكل عام، ما يحول دون تطوير أو بناء أو نهضة الدول سواء أكانت متقدمةً أم نامية.
وفي هذا الإطار، أشار التقرير الدولي للاحتيال والاستغلال الوظيفي الصادر عن جمعية مكافحة الاحتيال الدولية ACFE عام 2020 إلى أن المؤسسات تخسر 5 بالمئة من إيراداتها سنوياً بسببه، ما يقدر بنحو 4.5 تريليونات دولار على مستوى العالم، ونتيجةً لذلك تسعى المؤسسات (العامة والخاصة) إلى تفعيل دور السلطات والدوائر الرقابية فيها بغية تحجيم الأثر الناجم عن عمليات الاحتيال، فوجود دوائر التدقيق الداخلي والالتزام وإدارة المخاطر والهيئات المعنية بالرقابة والتفتيش في المؤسسات العامة والخاصة تسعى لهذا الهدف.

وقد أولت المعايير الدولية للممارسة المهنية للتدقيق الداخلي أهمية تمتع المدققين الداخليين بالقدرة الكافية التي تمكنهم من تقييم أضرار الاحتيال في الشركات والمؤسسات، وأن يستطيعوا التحقق من قيام جميع الوحدات بالإجراءات الحصيفة للحؤول دون ارتكاب احتيال وظيفي واستغلال المناصب وفق أولويات تقييم المخاطر الخاصة بكل مؤسسة أو شركة أو قطاع، إضافة إلى امتلاك الوعي اللازم والإحاطة بمؤشرات الاحتيال (الرايات الحمراء Red Flags) كما هو متعارف عليه في علم التدقيق، وذلك بغية اكتشاف مدى احتمال حدوث فساد أو احتيال في مختلف أنشطة المؤسسات، وهذا ما أشارت إليه صراحةً المعايير 1210 و1220 من المعايير الدولية للممارسة المهنية للتدقيق الداخلي، كما ركزت المعايير 1200 و2120 على ضرورة التركيز والتدقيق على الجوانب التي تتضمن مخاطر وتفعيل أداء التدقيق على الجوانب التي قد تنطوي على حدوث عمليات احتيال أو التي حدثت فيها عمليات احتيال سابقاً وتكررت، وهذا كله يتطلب من السلطة الرقابية المعنية وضع ضوابط رقابية لمواجهة ذلك والتركيز في التدقيق عليه، وعدم التهاون فيه.
وعطفاً عما سبق، فإن ما شهده العالم من تطور تكنولوجي كبير في كل المؤسسات والشركات، أحدث تغييرات كبيرة وسريعة في النظم التشغيلية والإدارية المستخدمة في أعمال هذه الشركات وفي أولويات العمل المالي والإداري، وهو ما يزيد من تحديات التدقيق الداخلي سواء من حيث تغيير المخاطر الواجب التركيز عليها، أم من حيث توافق هذه المتغيرات مع أهداف المؤسسات ومع توقعات أصحاب القرار.
وبإسقاط ما تقدم على الرقابة والتدقيق الذي يتم على القطاع العام في سورية، فنجد أن المكلف بهذه المهمة هو الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش والتي أقرت بالقانون رقم (24 لعام 1981)، والجهاز المركزي للرقابة المالية المحدث بموجب المرسوم التشريعي رقم 64 لعام 2003 والمكلف مراقبة الحسابات وكل ماله علاقة بها في مختلف أجهزة الدولة وجميع المهام الموكلة إليه ذات الصيغة المالية الواردة في متن المادة رقم 4 من المرسوم فقط، أما الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش فقد اعتبرها القانون 24 هيئة رقابية مستقلة مرتبطة برئيس مجلس الوزراء تهدف لتطوير العمل الإداري وحماية المال العام وتسهيل الخدمات للمواطنين، إضافة إلى دورها بالرقابة والتفتيش لدى الهيئات المنصوص عليها في المادة (3) من القانون، بما فيها الوزارات والإدارات والبلديات والمؤسسات العامة والشركات العامة ومديريات الأوقاف ووحدات الإدارة المحلية، إضافة إلى المؤسسات والمنشآت الخاصة التي لها علاقة أو تأثير في التربية والصحة العامة، وأي جهة تقوم الدولة بمنحها قروضاً وسلفاً.
من حيث المبدأ، فإن استقلالية الهيئة وتحرر المراقبين والمفتشين من الظروف التي تهدد قدرتهم على القيام بمهامهم بمسؤولية التدقيق الداخلي على نحو غير متحيز هو أمر بالغ الأهمية خاصة مع صلاحية رفع تقاريرها لرئيس مجلس الوزراء، وهذا هو روح المعيار رقم 1100 من المعايير الدولية للتدقيق الداخلي والذي حمل عنوان الاستقلالية والموضوعية، وهنا يتبادر لنا مجموعة من الاستفسارات: هل التبعية لرئيس مجلس الوزراء هي إدارية أم هيكلية؟ كما أن فحوى تقارير الهيئة وخطط عملها ونتائجها النهائية يعد أمراً غامضاً للمتابع وللمواطن، وبكل تأكيد لا نتكلم هنا عن الملاحظات والانحرافات المكتشفة فهي تبقى من أسرار التقارير الرقابية، إلا أنه في الوقت ذاته يحق لنا التساؤل عن ماهية هذه الملاحظات، وهل يتم العمل على تصحيح كل الملاحظات الواردة في هذه التقارير وإحالة المخطئين أو الفاسدين لإجراءات إدارية تبدأ من التنبيه إلى الإنذار وصولاً للتحقيق وتطبيق الإجراءات القانونية بحقهم أم إن هذه التقارير تبقى مجرد (بريستيج) رقابي لا أكثر ولا أقل؟ ما يدفعنا لهذه التساؤلات هو غموض عمل الهيئة، أو لنقل عدم وضوح آلية عملها وفعاليتها، وعدم ظهور نتائج هذا العمل، فمثلاً لم نسمع يوماً ما عن تقرير تفتيشي يحاكي سلامة أو عدم سلامة استثمار بعض الأموال التابعة لبعض المؤسسات أو المديريات، أو تقرير تفتيشي حول الجهات التي تقرضها الدولة أو تمنحها سلفاً كالمؤسسة السورية للتجارة، فيما الواقع يقول بوجود الكثير من الانحرافات والتجاوزات في كثير من المؤسسات والشركات العامة من مختلف القطاعات، ولنا فيما ذكره وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك مؤخراً عن وجود ارتكابات خاطئة وانحرافات في المؤسسة السورية للتجارة فيما يخص مسألة المواد التموينية والمياه أبسط الأمثلة وأقلها تأثيراً على متغيرات الاقتصاد الكلي.
كما أن هناك الكثير من الأمثلة عن إحساس المواطن بقصور عمل الهيئة في بعض الوزارات والمؤسسات وحتى في المؤسسات الخاصة ذات العلاقة بالتربية والصحة يطول الحديث بها.

ولعل ما ورد في المادة 4 من قانون الهيئة لهو محل استغراب كبير حيث نصت على ما يلي: (تحدث في كل وزارة أو إدارة أو مؤسسة أو شركة أو منشأة أو هيئة عامة أو وحدة إدارية أجهزة للرقابة الداخلية تتبع الجهة الإدارية، ويعين المراقبون العاملون فيها من قبل الوزراء بناء على اقتراح رئيس الهيئة)، وهنا التساؤل: هل هذا الإجراء سليم؟ وهل تبعية هذه الأجهزة الرقابية للجهة الإدارية التي تعمل فيها تمنحها استقلالية وموضوعية في عملها ورفع تقاريرها أم إنه من الأهمية بمكان أن تكون تبعيتهم للهيئة نفسها بشكل يكونون فيه مستقلين تماماً عن الجهة الإدارية التي يعملون فيها؟ فمن شأن هذا الإجراء إضفاء استقلالية في العمل بعيداً عن تدخل الجهة الإدارية في عملهم.

الوطن – د. علي محمد