40 بالمئة من الدعم يذهب للفاسدين..!.

263

شارع المال|

برامج الدعم الاجتماعي موجودة في كل دول العالم، ولكل دولة برنامج دعم خاص بها يتناسب مع سياساتها الاقتصادية وظروفها وإمكاناتها والناتج المحلي لديها، وفي هذا الموضوع عقد دكاترة قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق فعالية السينمار الشهري تحت عنوان «سياسة الدعم الحكومية – الوقائع والآفاق المستقبلية».

رئيس قسم الاقتصاد الدكتور عدنان سليمان أوضح في تقديمه للمحاضرين أن الدعم بحد ذاته هو فكرة اجتماعية تنموية اشتراكية تهدف لتصحيح الفجوة بين تكاليف المعيشة وبين معادلة الأجور والرواتب للفئات الأقل دخلاً، وبالتالي تصحيح الاختلال فيما بينها وإيجاد حالة من التوازن، فكلما زادت هذه الفجوة كان على الدولة أن تتدخل بشكل أكبر، وكلما كان هناك توازن يعاد النظر في هذا الدور من الدولة.

بدوره بينّ الدكتور محمود زنبوعة أن الدور الأساسي للدعم هو حماية ذوي الدخل المحدود والتقليل من فوارق الدخل بين المواطنين ودعم استقرار الأسعار ودعم الإنتاج الوطني، ولا يمكن أن يكون الدعم إلى ما لا نهاية، حيث يترافق الدعم بسياسات تمكين اجتماعية وبالتالي عندما تبدأ مفاعيل هذه السياسات تنتفي الحاجة إلى الدعم، وفي حال استمر الدعم إلى فترة زمنية طويلة سينتج عنه آثار سلبية منها تشجيع الاستهلاك للسلع الأساسي، وتهريب السلع والهدر والفاقد والفساد ضمن مؤسسات الدعم ما يضعف دور هذه المؤسسات.

وأوضح أن منظومة الدعم في سورية تعمل على مجموعة أهداف منها تحسين الحالة المعيشية للمواطنين وكبح آثار ارتفاع الأسعار من خلال دعم السلع الغذائية الأساسية، إضافة إلى دعم الكهرباء من خلال احتساب أسعارها على نظام الشرائح التصاعدية، وتسعير المحروقات بأقل من أسعارها العالمية، ودعم الإنتاج الزراعي والمحلي والصادرات.

الدعم بالأرقام

وبلغة الأرقام فإن نسبة حصة الدعم من الناتج المحلي ارتفعت من 13 بالمئة في العام 2001 إلى 20 بالمئة في موازنة العام 2008، ثم تراجعت إلى 14 بالمئة في موازنة عام 2010 وذلك مع بدء التحرير التدريجي لحوامل الطاقة، إضافة إلى تأثير الحصار الاقتصادي وضعف الإنتاج وارتفاع معدلات التضخم وعوامل أخرى.

وفي عام 2018 بلغت الموازنة العامة 3.178 تريليونات ليرة سورية منها نحو 1.57 تريليون للدعم الاجتماعي أي بنسبة 42 بالمئة، بينما في عام 2019 قدرت الموازنة العامة بـ3.882 تريليونات ليرة سورية وحصة الدعم الاجتماعي 1.5 تريليون أي بنسبة 40 بالمئة، وفي عام 2020 قدرت الموازنة العامة بـ4 تريليونات والدعم الاجتماعي بواحد تريليون وبنسبة 27 بالمئة، وفي عام 2021 ارتفعت الموازنة العامة إلى 8.5 تريليون ليرة سورية منها 3.175 تريليونات ليرة سورية للدعم الاجتماعي وبنسبة 37 بالمئة، أما موازنة العام الحالي فبلغت 13.325 تريليون ليرة سورية منها 5.5 تريليونات ليرة سورية للدعم الاجتماعي بنسبة 41 بالمئة.

ثلاثة سيناريوهات

وكشف زنبوعة أنه يوجد ثلاثة سيناريوهات لتغيير برنامج الدعم، الأول يتمثل في الرفع التدريجي للدعم، والثاني بدعم الأسر المستحقة، والثالث هو الرفع المدروس للدعم.

مع الإشارة إلى أهمية الدعم الزراعي وفي سورية فإن الدولة تتكلف مبالغ كبيرة جداً على الدعم الزراعي سواء إن كان إنتاجاً نباتياً أو حيوانياً والدعم يكون لمستلزمات الإنتاج من بذور وسماد وأعلاف ومحروقات وغيرها، وهذا الأمر قد أوجد حالات فساد كثيرة من خلال منح الدعم للجمعيات التعاونية، على حين لا يصل الدعم إلا بجزء بسيط منه لمستحقيه، ويعد هذا القطاع من أهم القطاعات التي تحتاج للدعم نظراً لدوره الاقتصادي العام ولكن مع تغيير مطارح وآليات الدعم لأن الآليات الحالية غير صالحة، فيمكن للدولة أن ترفع الدعم عن مستلزمات الإنتاج وتضمن الدعم في السعر النهائي للمنتج وبذلك يصل الدعم لمستحقيه وشجعت المنتجين على زيادة الإنتاج.

وأشار إلى أن الحكومة وضعت معايير لاستبعاد بعض الشرائح من الدعم «وكلنا شاهدنا المشاكل التي واجهت التطبيق العملي لهذا السيناريو والسبب عدم توافر قاعدة بيانات دقيقة بسبب ظروف الحرب، والسبب الآخر عدم موضوعية بعض المعايير، ولذلك تعمل الحكومة حالياً على تصحيح هذا المشاكل وتلافي الأخطاء التي وقعت». معتبراً أن الحل على المدى الطويل يكون بزيادة الإنتاج وتشجيع الاستثمار ولكن هل الظروف الحالية تسمح بهذه النقلة النوعية، ولذلك فإن سيناريو رفع الدعم التدريجي هو السيناريو الأسلم ولكن يجب أن يترافق بسياسات اقتصادية تتوازن فيها الرواتب والأجور مع تكاليف المعيشة.

الحل في تحسين الإيرادات

ومن جانبه أشار الدكتور رسلان خضور إلى أنه في عام 2008 عقدت ورشة في معهد التخطيط بالتعاون مع معهد التخطيط القومي في القاهرة وخبراء من ألمانيا لدراسة ملف الدعم في سورية وكانت الورشة بعنوان «آليات إعادة توزيع الدعم وإيصاله إلى المستهدفين» وهذا العنوان بعد 14 عاماً نعود للبحث فيه والسؤال هل استفدنا من الدراسات التي قدمت وتجارب الدول الأخرى أم ما تزال مجرد دراسات للبحث النظري دون فائدة..؟!.

لافتاً إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لدى الحكومة هو الحد والتخفيف من عجز الموازنة وهنا يجب البحث في أسباب عجز الموازنة فهل هي في الإنفاق الحكومي أم في الإيرادات وتراجعها وخاصة الإيرادات الضريبية والتهرب الضريبي والإيرادات من أملاك الدولة التي تستثمر وفق عقود بأرقام كانت ضعيفة سابقاً وحالياً يجري العمل على إعادة دراسة هذه العقود.

وحسب الدراسات الاقتصادية الحديثة تبين أنه لا مشكلة في وجود عجز في الموازنة وحتى لو تم تمويله بالعجز ولكن المشكلة في آلية التمويل، ولذلك للحد من عجز الموازنة يجب أن نتحول إلى الحد من التهرب الضريبي والتهريب وتحسين إدارة أملاك الدولة ما يؤدي لتحصيل إيرادات جيدة لخزينة الدولة وخاصة في ظروف الحرب التي نمر بها، ولا يخفى على أحد دور سطوة الاحتكارات من التجار فهي سبب أساسي لارتفاع الأسعار وخاصة السلع المستوردة.

الدعم الاستهدافي

وأضاف خضور بأنه من حيث المبدأ الجميع متفق على أحقية إيصال الدعم إلى مستحقيه وهو هدف صحيح مئة بالمئة ويجب العمل عليه لأن اتباع الدعم الشمولي وخاصة في ظل سيطرة منظومة الفساد لن يكون مناسباً، ولذلك من المناسب الاتجاه إلى الدعم الاستهدافي وهو أكثر إنصافاً وهو ما تم طرحه منذ 14 عام والذي يمكن فيه المفاضلة بين الدعم العيني والدعم المادي وفق ظروف محددة.

وأشار إلى أن آلية الاستبعاد كان بها شيء من الارتجال نتيجة عدم دقة البيانات والمعايير المعتمدة «ولذلك حدثت البلبلة التي شهدناها وأظن أن أخطر ما في قرار استبعاد الحكومة لشرائح من الدعم هو ضعف الثقة بالعمل الحكومي نتيجة الأخطاء التي حدثت من عدم وجود بيانات صحيحة ودقيقة ولذلك يجب أن تعمل كل مؤسسات الحكومة على ترميم هذه الثقة».

واعتبر أن الدعم الاستهدافي من الحكومة بهدف دعم فئات وشرائح محددة هو خيار جيد ولكن بدلاً من العمل عليه بشكل كلي ومباشر، كان يمكن تقسيم المجتمع إلى شرائح يتم البحث في بيانات كل شريحة وجمع معلومات دقيقة عنها ووضع معايير محددة لإنصاف الجميع وإيصال الدعم إلى مستحقيه.

الدعم حاجة مؤقتة

وكان للدكتور هيثم عيسى رأي آخر من ناحية أن الدعم في الفكر الاقتصادي هو حاجة مؤقتة مع انطلاق عمليات التنمية ومع استمرار التنمية ونجاحها تنتفي الحاجة الموضوعية للدعم حتى نصل إلى نقطة زمنية معينة يصبح الفرد بغير حاجة للدعم ولا تؤثر إزالة الدعم في الفرد بشرط أن تكون عملية التنمية ناجحة، واستمرار الدعم فترة طويلة مع عملية التنمية هو إعلان فشل عمل التنمية لأن الهدف التنمية هو تحقيق دخل كاف للفرد، بينما الدعم هو حاجة دائمة فيما يتعلق بالدعم الزراعي وهو في كل الدول ولا يمكن الاستغناء عن الدعم الزراعي ولكن يجب البحث في تعديل آليات وطرق تقديمه.

وتحدث عيسى حول طرح سؤال مهم، هل الدعم المرصود في الموازنات الحكومية والذي يتحدث عنه المسؤولون هو نفسه الدعم الذي يصل إلى المواطنين؟ وللإجابة عن هذا السؤال يجب طرح ثلاث مقاربات، الأولى هي ما أثبتته الدراسات الأكاديمية في كل دول العالم بأنه مجرد تبني سياسة الدعم فإن قرابة 40 بالمئة من قيمته تذهب إلى منظومة الفساد، والمقاربة الثانية هي مشكلة تقديم الدعم ليحفز على عدم الكفاءة فإنه يؤدي إلى خلل في منطق الاقتصاد، وكمثال في وزارة الكهرباء يعلنون أن سعر كيلو الكهرباء خمسون ليرة فرضاً ولكن يحدد السعر للمواطن ببضع ليرات وبالتالي الفرق بين السعرين هو دعم مقدم للمواطن، ولكن عندما يكون الهدر في الكهرباء يصل لحوالي 60 بالمئة بسبب تضخم نفقات الإنتاج لأسباب كثيرة، منها تكنولوجية وإدارية وبيروقراطية والفساد، فإذاً 60 بالمئة من دعم الكهرباء المدعومة لم يحصل عليها المواطن ولكنها ذهبت لتمويل عدم كفاءة الأجهزة المنتجة للكهرباء. وهناك جزء كبير من الدعم لا يصل للمستحقين، فمثلاً الخبز مدعوم لمصلحة المواطن ولكن نسبة كبيرة منه تذهب علفاً للثروة الحيوانية، فإذا حسبنا نسب الدعم التي تذهب للفساد ولعدم الكفاءة ولغير المستحقين فإن الدعم الحقيقي الذي يبقى لا يتجاوز 25 بالمئة.

الوطن – علي محمود سليمان