تتحدث وكأنها لم تسمع بعد بارتفاع الأسعار.. قراءة في فتوحات الحكومة الأسبوعية المزينة بألوان الخيال..!.

401
شارع المال|
من كل عقلها الحكومة اعتبرت أن / 30 / ألف ليرة سورية شهرياً – والتي أضيفت للصيادلة العاملين في القطاع العام – كفيلة بتحسين أوضاعهم، واستمرار العمل في القطاع الصحي بالشكل الأمثل، فهكذا روّجت يوم أمس بعد جلستها الأسبوعية في طليعة الخبر الرسمي عن تلك الجلسة، وكأنها أنجزت فتحاً عظيماً برفع ما تسمى المكافأة الشهرية للصيادلة لتصبح خمسين ألف ليرة بدلاً من عشرين ألف، والأهم في الموضوع أن إضافة هذا المبلغ الذي بات زهيداً جداً اعتبرته الحكومة ضامناً للعمل بالشكل الأمثل .. !
في الواقع دائماً تثبت لنا الحكومة أن تغريداتها ( الحلوة ) تأتي خارج السرب وبعيدة كل البعد عن الواقع، لدرجة أن الأسباب الموجبة لقراراتها والتي ترفقها بالتزامن مع إصدار القرار باتت محيّرة فعلاً .. وأحياناً مُضحكة كاعتبارها اليوم بأن هذه الزيادة للمكافأة الشهرية ستكون ضامنة للعمل بالشكل الأمثل، ما بدا وكأن الحكومة على يقين تام بأن / 30 / ألف ليرة ستقلب حياة الصيادلة من حالٍ إلى حال، وسوف تكون كفيلة بتأمين استقرار أوضاعهم، وتحسين أحوالهم المعيشية، وإغرائهم بهذا العطاء (العظيم) وإلا لما كانت قد ربطت هذه المكافأة بمزاعم ضمان العمل بالشكل الأمثل.
لا نعتقد أن هذا المبلغ سيكون ضامناً لذلك الهدف إطلاقاً، وسيبقى الضامن للعمل بالشكل الأمثل عند الصيادلة العاملين في القطاع العام هو الضمير الحي الذي يمكن أن يراودهم أكثر بكثير مما يسببه لهم ذلك المبلغ من إغراء، لأننا وبكل هدوء نجد أن المبلغ (المغري) المضاف يمكن الصيدلاني خلال شهر من شراء 6 كغ من البندورة، أو 6 كغ من اللبن، بعد أن قفزت أسعار هاتين المادتين إلى /5000/ ليرة للكيلو غرام الواحد، أو شراء 3 كغ من اللبنة بعد أن صار سعر الكيلو غرام منها بعشرة آلاف ليرة، ومن كان يحب الجبنة من السادة الصيادلة فقد صار مطمئناً إلى أن هذا الدعم الجديد يمكنه من شراء كيلو غرام جبنة وحبة مسك بعد أن صار سعر الكيلو عشرين ألف ليرة، ويمكننا القياس على ذلك عند شراء اللحوم بمختلف أصنافها الحمراء والبيضاء والباردة، وما إلى ذلك.
ويكفي أن نعلم أن هذه الثلاثين ألف اليوم لا تزيد في قيمتها الشرائية عن /388/ ليرة قبل الأحداث، فالتضخم الخطير الذي وصلنا إليه كان كفيلاً بالتهام الدخل بوحشية وبلا رحمة.. ورغم ذلك فالحكومة تتحدث وكأنها لم تسمع به بعد .. !
واقع الأسواق :
ومن كل عقلها أيضاً أفردت الحكومة ما أسمته بالحيز الواسع لمناقشة واقع الأسواق ومدى توافر المواد والسلع خلال شهر رمضان المبارك والخطوات المتخذة لتعزيز المخازين من مختلف المواد وجددت التأكيد على أهمية تكثيف الرقابة والجولات على الأسواق وفرض العقوبات بحق المخالفين والمحتكرين وفق القوانين والأنظمة النافذة.
وفيما تُعتبر الأسعار المنفلتة من عقالها والضاربة في الارتفاع هي الهمّ الأكبر عند المواطنين والكابوس اليومي في حياتهم، فقد غابت مناقشتها عن ذلك الحيز الواسع – حسب مفردات وصياغات الخبر الرسمي للجلسة – فما الذي يهمنا من تكثيف الرقابة والجولات على الأسواق وفرض العقوبات بحق المخالفين ..؟ هذا إن كانوا مخالفين فعلاً، فالرقابة التموينية ما تزال في عيون الرأي العام تمتاز بالعمل الشاذ القائم على الأتاوات والرشاوى صاحبة القدرة الهائلة على تحديد مصير المخالف أو حتى غير المخالف، فأهداف الرقابة تتحقق فعلياً، والمتمثلة بمصالحها الشخصية والكيدية، ولو أنها تسعى بشكل فعلي وجاد ونزيه لضبط الأسواق لكانت قد ضبطتها فعلاً، ولكن كيف ستضبطها وهي لا تهدف إلى ذلك الضبط ..؟!
رائحة هذه الرقابة التي تزكم الأنوف بتصرفاتها ومعاييرها الشاذة لا أمل على ما يبدو بتغييرها، فمنذ عشرات السنين والحديث هو ذاته : رقابة تموينية = رشاوى وأتاوات، حتى وإن كان الضبط صحيحاً فاعتقاد الرأي العام – اعتقادٌ لا يُبنى من فراغٍ أبداً – هو أن هذا المخالف لو كان قد أرضى المراقبين وهندسَ لهم جيوبهم كما يشاؤون لما كان الضبط قد حصل، ولذلك من المُحال أن ينعكس نشاط المراقبين على ضبط الأسواق، بل على العكس فإن فسادهم سوف يزيد من فلتان الأسواق، ويكون حافزاً قوياً للمزيد من الاحتيال والتلاعب، ففساد الرقيب يفتح باب الانفراج عند المخالفين .. وهذا ما يحصل في ظل غياب أي إجراء حقيقي يساهم بكبح جماح المراقبين حتى يتمكنوا من كبح جماح المخالفين، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وعلى كل حال فإن أبجديات المواطنين واضحة جداً وهي الغلاء الفاحش وضعف القدرة الشرائية، ولذلك مهما أفردت الحكومة من حيازات واسعة لمناقشة واقع الأسواق فإن هذا لا يهم ما دام بلا جدوى ولا فائدة، وعاجز عن ترجمة تلك الأبجديات وإصلاحها إلى الحدود المعقولة على الأقل.
مقدمة أولويات العمل
ومن كل عقل الحكومة أيضاً أنها تريد إقناعنا بأنها تواصل إعطاء المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الاهتمام الكامل باعتبارها في مقدمة أولويات العمل لمختلف الجهات الحكومية، في حين أن اهتمامها بهذه المشروعات ما يزال ضعيفاً ومتواضعاً جداً، وبعيداً عن أي دعمٍ حقيقي، فجوهر دعم هذه المشاريع بتمويلها على شكل قروض ميسّرة ومريحة، والتخفيف من وطأة الضمانات المرهقة، وهذه أمور ما تزال بعيدة المنال، وآن للحكومة أن تقتنع بضرورة تجنّب إطلاق مثل تلك العبارات الجوفاء تجاه هذه المشاريع، فلا اهتمام حقيقي ولا كامل ولا حتى مُجتزأ تجاهها، ولا هي في مقدمة أولويات العمل، وكان يكفي للحكومة أن تتبنى هذه المشاريع بشكل فعلي عندما تقرر أن يكون المشروع ذاته هو الضمانة الحقيقية للقرض، أما الاستمرار بطلب ضمانات مرهقة لا طاقة ولا سبيل لروّاد الأعمال بها، فإن تدبيج العبارات الحكومية ستبقى غير مجدية وبلا فائدة مهما كانت بديعة البلاغة .
أخيراً :
لا ندري كيف تستسهل الحكومة مثل هذه الاستفزازات فتتحدث وهي تقف في مكان بعيد بمسافات ضوئية عن الواقع الصعب المعاش الذي كان من المفترض أنها تشرف عليه ..؟ ولكن كيف ستُشرف وهي غائبة عنّا لدرجة أننا نشتاق إليها وهي تصدح هناك من بعيدٍ بعيد .. لا تسمعنا ولا نسمعها ..؟!
السلطة الرابعة – علي محمود جديد