كبار السن يشكلون 6% من قوة العمل و72% يعانون أمراضاً مزمنة بغياب برامج الحماية!
كبار السن يشكلون 6% من قوة العمل و72% يعانون أمراضاً مزمنة بغياب برامج الحماية!
شارع المال|
“هي استراتيجية مثالية بواقع أبعد ما يكون عن المثالية”، بهذه الكلمات وصف البعض الاستراتيجية الوطنية لرعاية كبار السن التي أطلقتها هيئة شؤون الأسرة مؤخراً، فمن جهة تفاءلت تلك الفئة المهمّشة إلى حدّ كبير بأن ترتقب نظام رعاية متكامل صحياً واجتماعياً واقتصادياً ونفسياً، ومن جهة أخرى تخوّفت من انضمام هذه الاستراتيجية إلى سابقاتها في مختلف القطاعات، لتصبح طيّ النسيان بحجة الظرف الاقتصادي غير الملائم! خاصة وأن القائمين على إعدادها أوضحوا أن الجانب المالي هو أكبر التحديات، دون أن يذكروا كيفية علاج هذا التحدي!.
ويأتي إطلاق الاستراتيجية في أسوأ الظروف التي يعانيها كبار السن (فوق 60 عاماً) بمختلف المجالات، فقبل أيامٍ قليلة كان رفع سعر الدواء عدة أضعاف، ليحرم آلاف المسنين حتى من علاجهم المنزلي، في ظلّ غياب أي برنامج رعاية يهتمّ بهم صحياً ومالياً، باستثناء رواتب تقاعدية هزيلة لا تشمل الجميع، وتأمين صحي خجول ومليء بالثغرات بانتظار مشروع طال مخاضه لأعوام ولم يبصر النور بعد، فضلاً عن اضطرار الكثير منهم للعمل بمهن قاسية تصل أحياناً للعتالة في سن السبعين بحثاً عن لقمة عيشهم.
222 ألف عامل من كبار السن
وفقاً للاستراتيجية والتي بنت أرقامها على عدة مصادر آخرها في 2020 لغياب الإحصاءات الدقيقة بعد الحر.ب، فقد وصل عدد كبار السن في سورية إلى 1.6 مليون عام 2020، أي بنسبة 8% من السكان، يترافق مع ارتفاع متوسط العمر المتوقع عند الولادة إلى 72 سنة، ومن المتوقع أن يصل العدد إلى ما يزيد عن 6 ملايين عام 2050، وهو ما يوازي 15% من السكان، وتبلغ نسبة كبار السن المتزوجين 77.5%، ونسبة النساء الأرامل 40% فيما تلامس 5.5% لدى الرجال.
وعلى المستوى التعليمي، تبلغ نسبة كبار السن الحاصلين على الشهادة الابتدائية فقط أو دونها 64% عام 2020، ومن المتوقع انخفاضها مستقبلاً، أما نسبة كبار السن الحاصلين على شهادة ثانوية وما فوقها لا تتعدى 31% ومن المتوقع ارتفاعها، مع الإشارة إلى فجوة كبيرة بين الجنسين بنسب التعليم، مما يفرض تحديات أمام السياسات التنموية التي تهدف إلى تحقيق معايير الإنصاف دون تمييز، إذ إن المستوى التعليمي يرتبط بالقدرة على تحقيق دخل أكبر، خاصة وأن متطلبات العصر تفرض مواكبة التطور التكنولوجي، لذا فإن الواقع التعليمي للنساء كبيرات السن يقتضي تعزيز مبدأ التعلم المستمر (التعلم مدى الحياة) بصورة خاصة.
وتظهر البيانات أن معظم كبار السن يعانون مرضاً مزمناً واحداً على الأقل، حيث بلغت النسبة عام 2010 نحو 66.9%، وقد وفرت العائلة في 78% من هذه الحالات الرعاية الصحية لها، كما أظهر مسح الأمن الغذائي عام 2019 أن 72.4% منهم يعانون أمراضاً مزمنة، وبالنسبة للعمل فقد أدّت ظروف الحرب الاقتصادية إلى ارتفاع نسب كبار السن الذين يستمرون في العمل لتأمين الدخل، رغم تحديد سن التقاعد بستين عاماً، وقد بلغت النسبة 14.6% في 2019، وترتفع نسبة الرجال مقارنة بالنساء لانخفاض نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة، وبحسب مسح قوة العمل للمكتب المركزي للإحصاء في 2020، فإن عدد كبار السن العاملين بلغ 222.295، منهم 207.789 ذكور، ونسبة كبار السن العاملين من إجمالي السكان 15.61%، ونسبة كبار السن من إجمالي القوى العاملة 6%.
نظام تقاعد شامل
وكشفت الاستراتيجية أن العمليات الإغاثية والمساعدات الدولية نادراً ما تأخذ خصوصية هذه الشريحة بعين الاعتبار، موضحةً في تشخيصها أن مرحلة الحر.ب وما بعدها أكدت وجود عدة مشكلات، أولها أنظمة التقاعد التي لا تشمل كلّ كبار السن، حيث يبقى العديد منهم –نساء وأشخاص ذوو إعاقة والعمال الموسميون والأعمال غير المأجورة- خارج أنظمة التقاعد لعدم تمثيلهم في سوق العمل، ويهدّد هذا الواقع الأمن المالي لمجموعة كبيرة، فيقدّر عدد الحاصلين على معاش تقاعدي من الدولة 800 ألف، يضاف إليهم 400 ألف متقاعد من القطاع الخاص فقط، مع التأكيد أن حصول فئة على راتب تقاعدي لا يعني أنهم في مظلة الحماية الاجتماعية الكافية بسبب انخفاض القيمة الشرائية.
وهنا، دفع عدم الاستقرار في الدخل أو انعدامه بأعداد كبيرة من كبار السن إلى الفقر، وعرّضهم للجوع وسوء التغذية، لذلك تهدف الاستراتيجية لتطوير نظام تقاعد شامل يوفر دخلاً تقاعدياً كافياً لفئات أوسع من كبار السن، واستهدافهم في نظام المساعدات والتأمينات الاجتماعية، وتشجيع النشاط الاقتصادي لهم.
أما في الواقع الصحي، فنتيجة تراجعه بعد الحر.ب تزايد عدد كبار السن غير المشمولين بنظم الرعاية الصحية الأولية، وتدنى مستوى الرعاية الاجتماعية والطبية، مما زاد هشاشة الواقع الصحي، فقد زادت الأمراض المزمنة وأمراض التقدّم بالعمر، فضلاً عن الأمراض النفسية والعقلية، وهنا تعتبر محدودية الأدوية وارتفاع سعرها وكذلك الأدوات الطبية لذوي الإعاقة من أبرز التحديات، لذا تعمل الاستراتيجية على برنامج توسيع نطاق التغطية الصحية، ودعم وتأهيل المراكز الصحية (يستفيد 710 فقط من خدمات الإيواء بدور الرعاية وفق إحصاءات 2019)، ورفع كفاءة الأطباء المتخصّصين بطب الشيخوخة، ودعم برامج الرعاية الصحية المنزلية.
ولم ينكر القائمون على الاستراتيجية أن المسوحات المذكورة يشوبها بعض النواقص، ولا تعطي البيانات المتاحة صورة واقعية، ويوجد تشرذم بالبيانات بين الجهات المختلفة، لذلك وضع تطوير البيانات ضمن الأهداف المزمع تطبيقها.
البعث – ريم ربيع