تحركات مشبوهة تكتنف السوق العقارية…إقبال على شراء الأراضي بقصد المضاربة..وتوسع طبقة تجار الأزمة يرفع الأسعار

561

كتب حسن النابلسي

يكتنف السوق العقارية هذه الأيام عناوين عدة تثير الشبهات، يتصدرها تربع الأرض على عرش المضاربة، وغدوها سلعة تفتح شهية بعض تجار العقارات لاعتبارات تتعلق بالدرجة الأولى بجني أرباح تخول أصحابها الدخول إلى نادي البزنس، إذ يلحظ المتتبع لحيثيات سوقنا العقاري وجود بورصة خاصة بالأراضي –وإن كانت على نطاق ضيق- روادها تجار يدركون أن الكساد في السوق لن يستمر، تماماً مثل “هوامير” البورصة الذين يسارعون لشراء الأسهم الراكدة بأسعار منخفضة ليعاودوا بيعها لاحقاً بأسعار مضاعفة…!.

كما أفضت حالة الركود المسيطرة على السوق وتراجع حركة البيع والشراء للوحدات السكنية والتجارية خلال عام تقريباً، إلى جعل الأراضي بنظر دهاة التجار الملاذ الأكثر أماناً حتى من الذهب والدولار المصابان بحالة من عدم الاستقرار، وذلك على اعتبار أنها –أي الأرض – بعيدة كل البعد عن الخسارة، حيث لم تسجل – على الأقل – طيلة العقد الأخير أية حالة بيع لأرض خسر بها صاحبها. والأمر الآخر الداخل في حسابات التجار هو تعويلهم على مرحلة الإعمار وبأنها ستكون الأكثر ازدهاراً بالنسبة لسوق العقار، ومن يشتري أراضي الآن وإن بأسعار خيالية كما يحلو للبعض تسميتها، سيحصد ثروات هائلة تقفز به لمصاف لرجال الأعمال..!

ويشي واقع السوق العقارية بتوسع طبقة تجار الأزمة ممن يجدون بهذه السوق ملاذاً لتبيض أموالهم، نظراً لأن أغلب صفقات البيع تخضع بشكل ملحوظ لمزاجية البائع الذي يفرض ما يرغب من سعر، مقابل مسارعة الشاري لقبول العرض، خاصة أن الأخير قد يشتري أكثر من وحدة سكنية أو محل تجاري وبأسعار تعتبر فلكية مقارنة مع انخفاض القدرة الشرائية ومستوى الدخل الحالي، خاصة وأن بعض المصادر الحكومية أكدت أن تدفق الحوالات الخارجية إلى القطر لا يزال ضمن المعدل بحدود 7 ملايين دولار يومياً كحد أقصى، ما يعني أن لم يستجد أي طارئ في هذه الحيثية بالذات..!.

إذاً ما سبق يشي بتحرك أموال طبقة تجار الأزمة نحو السوق العقارية، في محاولة منهم إلى إعطاء الصبغة الشرعية لأموالهم، وتظهر هذه الحركة ضمن سياقين يتعلق الأول كما أسلفنا بالتوافق شبه الفوري لعدد من الصفقات التي تتم بين البائع والشاري وعدم إبداء الأخير لأية ممانعة فعلية لأي سعر يفرضه الأول، وبالتالي إبرام الصفقة بموجب سعر مرتفع يصبح معتمداً في السوق، ويرتبط السياق الثاني بازدياد وتيرة البناء بشكل ملفت للغاية لا يتناسب مع القدرة الشرائية العامة، لكنها تعكس في الوقت ذاته ارتفاع معدل ضخ الكتل المالية في هذه السوق، ما يخلف بالنتيجة مئات الآلاف من الوحدات السكنية الخالية…!.

في هذا المشهد المتلاطم بمفارقته وتناقضاته المحكومة بالمزاجية البعيدة عن أدبيات التجارة ومنطق الربح والخسارة المتعارف عليه في أغلب القواميس الاقتصادية العالمية، تبرز لدينا إشكالية الاحتكار والمضاربة وانعكاساتها على حرف مسار السوق برمته لاسيما وأن ثمة تجربة سابقة في هذا المجال يخشى تكرارها مجدداً تتمثل بإقبال أصحاب الرساميل ممن صنفوا أنفسهم ضمن قائمة المستثمرين -خاصة خلال سنوات ما قبل الأزمة- على شراء الأراضي لتكون حاضنة لمشاريعهم الاستثمارية المزعومة لاسيما الصناعية منها، ليغيروا فيما بعد اتجاه بوصلتهم نحو المضاربة بما حازوا من أراض، فرفعوا أسعارها لتكون حجة واهية برفع أسعار الوحدات السكنية والتجارية لدى من اشتراها من تجار البناء، حيث يلاحظ أن الأراضي باتت ضمن اهتمام هؤلاء غير المكترثين بجدوى استثمارها، وإنما لتضخيم ثرواتهم عبر المضاربة بها على حساب التنمية ككل..!.

والشيء بالشيء يذكر…لعل أهم ما كان معول على شركات التطوير العقاري إنجازه يتمثل بتنظيم واقع العشوائيات من خلال شراء الأراضي المشادة عليها وإعادة بنائها وفق أسس فنية ومعمارية حديثة ومخدمة ببنية تحتية جيدة، ويفسر مدير إحدى المفاصل الحكومية المعنية بالشأن العقاري إحجام الشركات عن الدخول في مضمار العشوائيات وتطويرها إلى وجود تخوف كبير من قبل المطورين العقاريين لأسباب تتعلق بالقاطنين في مناطق المخالفات وما يترتب عن ذلك من مشاكل ينجم عنها الحرمان من المنزل وعدم ثقتهم بالحصول على منزل جديد بمواصفات فنية ومعايير حضارية، موضحاً أن الموضوع يحتاج إلى تكاتف جهود عدة جهات رسمية لتوضيح الصورة لدى كل من المطورين وسكان المخالفات، دون أن يخفي أن المسألة شائكة جداً وتحتاج لوقت طويل لحلها جذرياً.

فالمشكلة لا تكمن بمعالجة الأمور القانونية والإدارية لمناطق السكن العشوائي، فالأهم والأبعد من ذلك هو المعالجة الاجتماعية وضرورة تعاون القاطنين وثقتهم بالمطور وتأمين البديل لهم ريثما يتم تأهيل مناطق سكنهم، وهذا لا يستطيع أن يقوم به المطور لوحده بل يحتاج إلى مساندة الجهات المعنية في هذا الأمر، فالمسؤولين لم يأخذوا أهمية للشأن العقاري رغم أهميته الإستراتيجية، لأن أي قصور في مجال التطوير العقاري بشقيه العام والخاص، يؤدي إلى ازدياد رقعة العشوائيات، التي غالباً ما تفرز بؤراً اجتماعية غير صحية، إلى جانب أنها تساهم بالتلوث البيئي والبصري.

وبالعودة لتهافت التجار على شراء الأراضي …نذكّر أنه سبق للأراضي أن شهدت مثل هذا الإقبال قبل سنوات الانفتاح الاقتصادي الأخير، خاصة الواقعة منها في أطراف الريف الدمشقي، وتلك المحاذية لأتوستراد دمشق – درعا، عندما قام عدد من (المليئين مالياً) لاكتنازها بغية استثمارها كهدف معلن، يتستر بالحقيقة على آخر مخفي هو المضاربة، وكانت النتيجة تأجيج أسعار السوق العقارية بالمجمل، نتيجة احتكار بعض المساحات ذات المزايا الاستثمارية من قبل عدد محدود من رجال الأعمال الذين دخلوا هذا المضمار بقصد المضاربة وليس الاستثمار، والحقائق تؤكد امتلاك أحد رجال الأعمال لنحو 2000 دونم دون أي استثمار لها..!

ما سبق يملي على جهاتنا الحكومية خاصة المعنية منها بالقطاع العقاري التنبه لهذا الأمر ومعالجته قبل أن تقع الفأس بالرأس، وأن الإقبال على شراء الأراضي من قبل منتهزي الفرص، سيكون أغلب الظن بهدف المضاربة، لأن هؤلاء المنتهزون  يدركون حقيقة استثمار الأراضي بالمضاربة بعد انجلاء الأحداث الدامية التي نمر بها، بعيداً عن الاستثمار الحقيقي لها سواء كان زراعياً أم صناعياً..!.