كيف سيغدو الاتحاد الأوروبي من دون بريطانيا..؟

612

شارع المال.

بغض النظر عما إذا كانت بريطانيا ستخرج من الاتحاد الأوروبي باتفاق، أو من دون اتفاق، وبعيداً عن الموعد والآليات، فـ “البريكست” صار حقيقة واقعة، وبالتالي فالسؤال المطروح الآن هو: ماذا سيكون حال الاتحاد، وماذا سيكون حال بريطانيا بعد هذا الطلاق الذي لن تحول تعقيداته دون إتمامه عاجلاً أو آجلاً؟.

“بريكست” هو اختصار لعبارة “British exit” أو خروج بريطانيا، وتعني مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة تسمح بحرية الحركة والحياة والعمل لمواطنيها داخل الاتحاد، فضلاً عن تجارة هذه الدول مع بعضها.

وقد شهدت بريطانيا استفتاء عام 2016 صوتت فيه الغالبية لصالح الخروج من الاتحاد بعد أن ظلت عضوا لأكثر من 40 عاماً.

وبعد الاستفتاء بدأت مفاوضات حول اتفاق “الطلاق” الذي يوضح كيف سيتم الخروج بالضبط، وليس ماذا سيحدث بعد الخروج.

طلاق قد يفضي إلى التفكك

شهد الاتحاد الأوربي أزمات عديدة في الآونة الأخيرة، كان أبرزها الإفلاس اليوناني، الذي توقع كثيرون أن يكون حجر الدومينو الأول الذي سوف يسقط بقية الأحجار تلقائياً وبسرعة، كما ارتفعت أصوات اليمين الشعبوي في العديد من الدول الأوربية، مشككة بجدوى الاتحاد وشرعيته، وتوعد رموز هذا التيار، والذي يسجل صعوداً سريعاً ومضطرداً، بجعل الاتحاد الأوربي فكرة من الماضي في حال تسلمهم مقاليد الحكم في بلدانهم.

غير أن الخروج البريطاني يشكل الصدمة الأكبر، ذلك أن بريطانيا هي إحدى الدول العظمى في الاتحاد الأوروبي، وتعد لندن من أكبر المدن التي تقدم الخدمات المالية في أوروبا وذلك بسبب اعتماد البنوك والمصارف العالمية على (حق جواز السفر) من خلالها، حيث ينشئون فروعاً في المدينة يسمح لهم بالوصول للسوق الأوروبية كلها، ويتوقع مراقبون أن يؤدي خروج بريطانيا إلى تراجع ترتيب الاقتصاد الأوروبي على مستوى العالم، إذ أن الاتحاد سيفقد ثاني أكبر اقتصاد، وثاني أكبر أعضائه من حيث الكثافة السكانية.

وثمة توقعات مختلفة فيما يخص أثر “بريكست” على المانيا، زعيمة الاتحاد، إذ يتوقع البعض أن يفضي الخروج البريطاني إلى مزيد من الهيمنة الألمانية، فيما يرى آخرون أن الاقتصاد الألماني، وبغياب خامس قوة اقتصادية في العالم، لن يستطيع تحمل أعباء الاتحاد وحده، وأنه سوف يشهد مزيداً من المتطلبات الضاغطة التي سوف تجعل الألمان يعيدون حساباتهم.

إضافة إلى الأثر الاقتصادي المباشر، يخشى أنصار الاتحاد أن يشكل الـ “بريكست” عدوى تنتشر في الدول الأوربية تباعاً، والواقع يقدم إشارات معززة لهذه الخشية، فها هي زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف، مارين لوبان، تطالب باستفتاء في بلادها على غرار الاستفتاء البريطاني، مؤكدة أن “لدى فرنسا من الأسباب ما يفوق أسباب بريطانيا للانفصال عن الاتحاد”.

وفي هولندا يلح حزب الحرية اليميني على ضرورة “تولي الهولنديين أمورهم في بلادهم”، مطالباً بإعادة النظر في عضوية هولندا في الاتحاد.

وكذلك في الدنمارك، حيث يعتبر حزب الشعب القومي أن القرار البريطاني “الشجاع” يجب أن يكون قدوة للدنماركيين.

وثمة في إيطاليا من يسير على النهج نفسه، إذ يرى حزب رابطة الشمال الإيطالي، المعروف بموقفه المعادي للمهاجرين، أن “الدور الآن على إيطاليا لتقرر مصيرها بعيداً عن الاتحاد الأوربي”..

تاريخ من الإنجازات والأزمات

في التاسع من أيار 1950، وضع روبير شومان وزير الخارجية الفرنسي أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا، بعد خمس سنوات فقط من استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في إطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا.

ووقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء “مجموعة الفحم والفولاذ” بعد عام واحد في 18 نيسان 1951، وولدت بذلك “أوروبا الدول الست”، ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورج وهولندا.

وفي 25 آذار 1957، وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية، وأسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء، وأنشئت المؤسسات (مجلس الوزراء والمفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية) مطلع 1958.

وفي كانون الثاني 1973، انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان 1981 وإسبانيا والبرتغال 1986 والنمسا وفنلندا والسويد 1995.

وشكلت معاهدة ماستريخت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء الأوروبي ووقعت في السابع من شباط 1992، وهي تنص على الانتقال إلى عملة واحدة وتنشئ اتحادا أوروبيا.

واعتبارا من كانون الثاني 1993، أصبحت السوق الواحدة واقعا مع حرية تبادل البضائع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال، وانتظر الأوروبيون حتى آذار 1995 ليتمكنوا من السفر بلا مراقبة على الحدود.

وفي الأول من كانون الثاني 2002 دخل اليورو الحياة اليومية لنحو 300 مليون أوروبي، واختارت الدنمارك وبريطانيا والسويد فقط الإبقاء على عملاتها الوطنية.

وجرى توسيع الاتحاد ليضم دولا من شرق أوروبا تدريجيا، فانضمت عشر دول جديدة للاتحاد الأوروبي في أيار 2004 هي بولندا والجمهورية التشيكية والمجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص. وفي 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا، ثم كرواتيا عام 2013.

في ربيع 2005، أدى رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، إلى أزمة مؤسساتية في الاتحاد الأوروبي، لم يخرج منها إلا باتفاقية لشبونة التي كان يفترض أن تسمح بعمل مؤسسات أوروبا الموسعة بشكل أفضل وتمت المصادقة عليها بصعوبة في 2009.

وفي عام 2010، أعلنت اليونان ارتفاعا كبيرا في العجز في ماليتها في أول مؤشر إلى أزمة مالية واسعة، وطلبت اليونان ثم إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين طالبا بإجراءات تقشفية.

وأدت أزمة الديون هذه إلى سقوط رؤساء حكومات أوروبية الواحد تلو الآخر وعززت الشكوك في الوحدة الأوروبية.

وما إن خرجت من هذه الأزمة المالية حتى واجهت أوروبا أخطر أزمة هجرة منذ 1945 مع وصول مئات الآلاف من المرشحين للهجرة، وأخفق الاتحاد الأوروبي في وضع خطة عمل مشتركة.

وجاءت بعد ذلك أزمة “بريكست” التي وجهت ضربة إلى اتحاد أضعفه صعود الشعبوية والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية. وبعد حملة تركزت على الهجرة والاقتصاد، صوت نحو 17.4 مليون بريطاني (51.9 في المائة من الناخبين) في 23 حزيران 2016 لصالح خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.

خطة ألمانية للإنقاذ

وكانت المستشارة الألمانية، انجيلا ميركل، قد عرضت خططها الخاصة بمستقبل الاتحاد الأوروبي، أثناء المؤتمر السنوي للمجلس الألماني للتنمية المستدامة، حيث دعت للتنفيذ الدؤوب للقيم والقناعات المشتركة، محذرة: “أوروبا في مفترق طُرُق.. إذا توقفنا فسوف تسحقنا الهياكل العالمية الكبيرة”.

ومن وجهة نظر المستشارة الألمانية، فإن الخطر الأكبر على الاتحاد الأوروبي يتلخص في هذه الأسئلة: “كيف نتعاطى مع الهجرة غير الشرعية؟ كيف نعد نظاماً مشتركاً خاصاً باللجوء؟ كيف نضع أجندة تنموية تؤدي فعلياً إلى الرخاء والاستدامة لا تقتصر علي بلادنا فقط؟”. ومن هنا فقد اقترحت ميركل وجود نظام لجوء أوروبي مشترك وشرطة حدودية أوروبية، وكذلك نظام للتضامن المرن بين الدول الأعضاء. وطالبت بمكافحة مستمرة لأسباب الفرار من خلال اتفاقية جديدة مع أفريقيا، “خطة مارشال مع أفريقيا”.

كما طالبت بزيادة الإنفاق على الأبحاث العلمية واستثمارات مستقبلية تبلغ 3% من إجمالي الناتج المحلي. وحثت على “أن يكون لدينا في أوروبا شبكات مشتركة من المؤسسات التعليمية والبحثية الممتازة، وأن نهتم بتحديات الذكاء الاصطناعي، ولكن على نحو مسؤول أخلاقياً”.

وأوصت المستشارة الألمانية بمواصلة  تنمية الاتحاد الاقتصادي والنقدي، وخاصة في منطقة اليورو، حيث اقترحت إنشاء صندوق نقد أوروبي (EMF) يشبه صندوق النقد الدولي من حيث النظام الهيكلي، “فإذا تعرضت منطقة اليورو على سبيل المثال لخطر يتعين على صندوق النقد الأوروبي أن يكون قادراً على الإقراض”..

وقالت ميركل: “إن وجود منظمة عمل أوروبية للشباب يمكن أن يساعد في تعرِّف الشباب أيضاً على القضايا الأوروبية.. إن برامج التبادل ليست فقط للطلاب، ولكن أيضا في مجال التدريب المهني، وكذلك المؤهلات المهنية المشتركة هي سبل جيدة.. كما أنه من المهم مقاومة كراهية الأجانب ومعاداة السامية بحزم”.

الأيام