الخبز لسد رمق المواطن وليس لسد فجوة الموازنة..!.

363

شارع المال|

أكدت حكومة حسين عرنوس “وهي محقة في ذلك” أنها مستمرة في برنامجها القائم على إعادة توجيه الدعم الى مستحقيه، فلجأت الى وضع قائمة من الأسر والأفراد استبعدتهم بموجبها من منظومة الدعم قياساً الى معايير الثروة والملكية ومن بين الملكيات السيارة كما تابعنا جميعاً..!.

قد يكون حل توجيه الدعم أمراً مقبولاً وربما ضرورياً في هذا الوقت الذي تعاني فيه البلاد من عجز كبير من موازنتها تماما كما تعاني من صعوبة تأمين المواد الأساسية بما فيها الأدوية نتيجة الحصار والعقوبات وما تسبب به ذلك من صعوبات في التحويل وارتفاع فاتورة الاستيراد والشحن، فرأت الحكومة أنّه بالإمكان اللجوء إلى ردم جزء من هذه الفجوة عبر رفع الدعم عن قسم من الناس الذين ترى أن بإمكانهم المضي قدما في الحياة بلا دعم ودون الحاجة له الا فيما يتعلق بتوفير المواد المدعومة نفسها، وفعلا تم الإعلان عن خروج أصحاب 600 ألف بطاقة من الدعم وقد يختصر الرقم قليلا بعد النظر في الاعتراضات..!

سياسة توجيه الدعم بشكلها الحالي لن يتم التراجع عنها وفقا لما تم التصريح والإعلان عنه من قبل الحكومة ومسؤوليها.

لكن..  

ألا تعتقدون أنه واستنادا لمجموعة من المعطيات ضرورة استبعاد الخبز من أي سياسة توجيه للدعم أو من أية عملية رفع للأسعار بحجة اختصار فاتورة الدعم الكبيرة وتوفيرها للموازنة التي تعاني..؟.

خاصة وأنّه يتبين للجميع أنّ الخبز فعلاً هو خط أحمر باعتباره لقمة المواطن الأساسية، وبالتالي يجب التعامل معه بشكل مختلف وعدم إدراجه مع السلع المدعومة الأخرى.. بل السلع الأخرى يجب رفعها لمصلحة الاستمرار بالدعم الحالي للخبز..!

منذ أن بدأت سياسة إدارة النقص والتي كانت لهدفين:

الأول: توزيع المواد بعدالة على الناس.

والثاني: محاربة الفساد الكبير في قطاع الدعم والذي تكرس عبر عقود من الزمن وصارت له سطوته وقدرته على محاربة أي قرار يطال الدعم خاصة في موضع أتمته.

نعم الأتمتة التي لم يتم الوصول الى النجاح الكامل بها حتى الآن، ولازلنا في حلقة البطاقة الذكية التي تم النجاح في تكريسها كأداة لتعزيز عدالة توزيع المواد ومع ذلك هناك من يحاربها بطريقة عمياء لأنها قطعت رزق الفاسدين والحرامية الى حد كبير لصالح الناس، علما أن الشكل الحالي لدور البطاقة الذكية يجب أن يستكمل عبر المضي قدما باتجاه تطبيق الأتمتة الكاملة وبشكل يشمل كامل مراحل العمل سواء في الخبز أو المشتقات النفطية بما يضمن يقوض الفساد ويمنعه من مد يده إلى مستحقات الناس وحقوقهم.

ما يهمنا الآن هو  الخبز والذي نعتقد أنه يجب أن يكون آخر سلعة مدعومة يجري رفع أسعارها أو استبعاد الناس منها إن كان لا بد من اللجوء الى هذا الخيار تحت وطأة الظروف الصعبة، على أنّه كان من الأفضل العمل على تقليل فاتورة دعم الخبز “لقمة المواطن السوري” عبر العمل على أتمتة كافة المراحل التي يمر بها الخبز ابتداء من استلام القمح سواء من الحقول أو من الموانئ ومراقبة كل حبة حنطة إلى أين تذهب، وصولاً إلى تأمين الجودة والوزن في كافة الأفران، وفرض الحصار الحقيقي وبالقانون الذي يمنع الغش وسرقة خبز المواطن والتلاعب بجودته ووزنه.

والأمر أي أتمتة العمل كاملا في قطاع الخبز وفقا لما أكده خبراء هو أمر متاح، وليس صعباً، وهو مطروح منذ البداية ولكن هناك فاسدين ومستفيدين من بقاء الواقع على حاله، فتولوا مهمة عرقلة أي جهد يبذل لأتمتة مراحل الخبز وبشراسة تماماً كما يحدث في المازوت والبنزين..!

كان بالإمكان أن يتم تعهيد الأمر إلى خبراء اقتصاديين وفنيين قادرين على وضع حسابات دقيقة للبيدر كما يقولون، بحيث يخرجوا بحل فني وتقني يمكن من خلاله مراقبة الخبز بكافة مراحله وحمايته من السرقات عبر تنفيذ عمليه أتمتة بسلسلة متصلة وغير منقطعة مع فرض تأمين رغيف جيد و بوزن كامل غير مسروق والعمل على معالجة كافة التفاصيل التي يمكن أن تظهر كإعطاء صاحب الفرن حقه  مقابل إخضاعه لعقوبات صارمة فيما لو سرق وتلاعب بالوزن أو بالجودة.

إلى جانب القيام بعملة تحسين لرواتب وأجور العاملين في سلسلة مراحل إنتاج الخبز، وإلزام الرقيب “ونقصد التموين” بواجبه دون فساد وتلاعب وتواطؤ.

الخبز اليوم كان يحتاج للتعامل معه بشكل مختلف تماما عن السلع الأخرى باعتباره مادة غذائية أساسية  لسد رمق المواطن، وليس لسد فجوة الموازنة، أصلا ماهو دعم تأثير الخبز في الموازنة حتى يعوّل عليه لتقليل عجزها.

إذاً لابدّ من إخراج الخبز من سياسة الدعم الحالية أياً كانت اتجاهاتها وإلى أين تسير والتركيز على وضع خطة لزراعة القمح ضمن الظروف الحالية بكل خصوصياتها وتحدياتها، ولانعتقد أنّ الامر صعب طالما أنّ هناك عقول اقتصادية من المفترض أنّها قادرة على التخطيط بشكل سليم ومتوازن لتأمين احتياجات البلد من القمح وبالتالي من الخبز بشكل ميسر ودون أي تعقيدات ودون أي استبعاد.

إن مجمل الظروف الاجتماعية والمعيشية الحالية يجب أن تؤخذ بكثير من الاهتمام والتفاعل ولا يجوز التعالي فوقها، فتنظيم الأمور والتعامل معها مع الأخذ بالنتائج المحتملة هو أقل تكلفة من الانصياع لنتائج معينة لم يتم حسابها جيداً، بل قد تضطر هذه الحكومة والتي ستخلفها للتراجع عنها وتحمل تبعات التراجع.

فليست كل الحسابات هي أرقام، بمعنى استبعاد فئة من الناس من الدعم فيقل النقص في الموازنة.. دون حساب أن المتغيرات الكبيرة والكثيرة التي يمكن أن تحدث.. خاصة وأن الخبز قد يصبح تحدي حقيقي أمام جزء مهم من المستبعدين أنفسهم  لسبب أو لآخر .

 وحتى لو افترضنا أنه ستم توزيع جزء من الوفورات على مستحقي الدعم الأشد فقراً والمهمشين وغيرهم فهذا يحتاج إلى بناء سليم للبيانات والمعلومات التي يمكن من خلالها التمكن من امتلاك ناصية  الاستهداف الصحيح والدقيق ..  لأن الاستهداف قد يكون أصعب من الاستبعاد.

هذه البلاد تمر بظروف خاصة جدا.. عشر سنوات من الحرب أخرجت النفط والقمح بكمياته الأكبر من حسابات بيدر الموازنة

هذه البلاد تخضع لأشد قوانين العقوبات والحصار ظلما

هذه البلاد تعاني من التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل شكل فجوة لن يردمها إلا الإنتاج وقد يحتاج الأمر لسنوات حتى تتوازن الأمور.. لذلك لابدّ من دراسة الخيارات جيداً وتثقيل مواد لحساب مواد أخرى.

كل هذا ويفترض أن يكون التخطيط الآني والمستقبلي “على المدى المنظور تحديدا” مختلف عما نشهده حالياً من الجنوح للتخطيط البعيد المدى على أهميته، وأن تكون قراءة عجز الموازنة بشكل مختلف تماماً.. فاليوم قد يساعد الدعم في ردم جزء من الفجوة ولكن ستصل الحكومة إلى مرحلة لن تتمكن فيها من التعويل على الدعم لردم أي شيء إذا لم تبادر إلى التخطيط الجيد والدقيق والمحسوب على التوازي من أجل الدفع بالعمل والإنتاج بشكل أوسع وأعمق وأكثر مقاربة لما  يجري الحديث عنه ويتم التباهي به حاليا.

كل القرارات مهما بدت براقة وجيدة يجب أن يظهر بريقها بشكل واضح على الحراك الاقتصادي والإنتاجي، وعلى حياة الناس ومعيشتهم.

لذلك أخرجوا الخبز خارج أي تغيير بسياسة الدعم، وأبقوه خطاً أحمراً وعريضاً جداً .. والتركيز على تخليصه من الفساد والتلاعب به فهذا أفضل على الأقل في هذه المرحلة وريثما تنطلق عجلات الإنتاج على كافة جبهاتها.

الخبز يحتاج إلى تحريره من الفساد وبمجرد القيام بذلك سيكون الفرق كبيراً جداً ولصالح الموازنة، والأهم سيكون هناك رضى الناس على لقمتهم الأساسية.. اللقمة التي تشكل أهم مقومات العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها.

رشدوا بمكافحة الفساد ..

 أعطوا  الناس كفايتها من الخبز الجيد بوزن حقيقي غير مسروق.

البطاقة الذكية هي أداة حقيقية لتنفيذ السياسات فأحسنو وضع هذه السياسات

الوفر يكون برغيف محرر من الفساد والسرقات والغش وإن كان لابد من رفع أسعاره فأعطوا المواطن الدعم نقداً


سيرياستيبس