استدارة مرتقبة لاستثمارات روسية بعد العقوبات: ما فرص دمشق في استقطاب بعضها..؟

3٬907
شارع المال|
مثّل الخوف من تبعات العقوبات الأميركية العائق الأهم أمام اهتمام الشركات والمستثمرين الروس بالسوق السورية. ورغم الزيارات المتبادلة للوفود التجارية والاستثمارية بين البلدين، فإنَّ العلاقات الاقتصادية بقيت دون المستوى الذي وصلت إليه العلاقات السياسية والعسكرية، وتحديداً منذ العام 2015؛ تاريخ التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية.
هذا الأمر تعكسه طبيعة الاستثمارات الروسية القليلة في سورية، والتي يتركز معظمها في قطاع الطاقة، فضلاً عن حجم التبادل التجاري المحدود مقارنة بالإمكانيات المتاحة، سواء في ما تحتاجه دمشق من مستوردات لتأمين احتياجات اقتصادها المدمّر والمحاصر، أو في ما تتطلع إلى تصديره من فائض زراعي وصناعي.
اليوم، ومع تعرّض الاقتصاد الروسي لعقوبات غربية مباشرة على خلفية الأزمة في أوكرانيا، فإنَّ من بين السيناريوهات المحتملة إمكانية حدوث انفتاح استثماري روسي على سورية، وذلك في سياق عملية استدارة يتوقع أن ينفّذها القطاع الخاص الروسي نحو الشرق والدول القريبة أو المتحالفة سياسياً مع موسكو، فما هي مجالات التعاون التي يمكن للشركات الروسية أن تستثمرها في سورية؟ وما الَّذي يمكن أن يغري المستثمرين الروس للتوجّه نحو السوق السورية؟
الفرص الاستثماريّة المتاحة
تفضّل دمشق في مقاربتها التأثيرات الاقتصادية المحتملة للأزمة في أوكرانية، التعاطي مع الملف من زاويتين: الأولى تتعلق بالتأثيرات السلبية التي شملت اقتصاديات جميع دول العالم، بحكم مفاعيل ظاهرة العولمة التي جعلت الاقتصاديات القطرية خلال العقود الثلاث الأخيرة في حالة انكشاف دائم، وهذا ما تطرَّق إليه معظم المقالات والدراسات الإعلامية خلال الفترة الماضية، ومن ضمنها مادة نشرت في “الميادين نت” مؤخراً، حملت عنوان “الاقتصاد السوري والأزمة في أوكرانيا: علة الحرب في ظاهرة “الانكشاف الخارجي”.
أما الزاوية الثانية، فهي تذهب نحو التأثيرات أو التحوّلات الإيجابية التي يمكن أن تتسبّب بها تلك الأزمة وتطوراتها على مستقبل العلاقات الاقتصادية القائمة بين دمشق وموسكو، ولا سيما أنَّ الأزمة في أوكرانيا وما رافقها من مواقف وإجراءات غربية ضد روسيا أظهرت “الأهمية الاستراتيجية لقاعدتي حميميم وطرطوس العسكريتين، باعتبارهما جزءاً من التوازنات الدولية”.
هنا، تطرح مجموعة من السيناريوهات التي تستطيع دمشق وموسكو العمل عليها لتعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما. ومن هذه السيناريوهات ما يلي:
– مراجعة عملية استثمار مرفأ طرطوس، بحيث يُستفاد من أهميته الاستراتيجية كقاعدة اقتصادية متقدمة لموسكو في ضوء محاولات الغرب تطويق روسيا. ومن بين الأفكار المهمة التي شجَّعت المسؤولين السوريين على الموافقة على الطلب الروسي المتعلق باستثمار المرفأ قبل عدة سنوات، هو إمكانية تحول هذا المرفق الحيوي المهم إلى محطة اقتصادية إقليمية تتولى مثلاً تصدير القمح الروسي إلى دول المنطقة، إضافةً إلى تطوير بنيته التحتية، ليكون قادراً على تلبية الزيادة المتوقعة في المستوردات العراقية التي تجري عبره، وهو معروف منذ سنوات طويلة بالمرفأ العراقي، نسبةً إلى استحواذ المستوردات العراقية على القسم الأكبر من عمله.
– مع تعرّض العديد من المؤسَّسات والشركات الروسية للعقوبات الغربية، ومحاولات إخراجها من الأسواق الغربية، من المتوقّع أن تتجه نحو أسواق دول حليفة أو صديقة للبحث عن فرص استثمارية بهدف التعويض عما فقدته، ويفترض أن تكون سورية إحدى الوجهات الاستثمارية الإقليمية المرتقبة، بالنظر إلى حجم الفرص المتاحة فيها بعد 12 عاماً من الحرب وتدمير المنشآت والعلاقة السياسية الخاصة التي تربط البلدين، لكن “الكرة” هنا ليست في ملعب طرف واحد، بل تبدو المسؤولية مشتركة بين الطرفين، فالتجاوب الاستثماري الروسي يحتاج إلى قائمة فرص مغرية يقدمها الجانب السوري، وإلى توفير المقومات اللازمة لبيئة أعمال ناجحة، علاوةً على محاولة خلق شراكات استراتيجية بين المؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال في كلا البلدين، فهناك وجهات استثمارية أخرى إقليمية ستكون منافِسةً على استقطاب رؤوس الأموال الروسية، مثل الدول التي امتنعت عن التصويت على قرارٍ في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين العملية العسكرية الروسية، وتلك التي لم تفرض أي عقوبات أو قيود على تعاونها الاقتصادي مع روسيا.
– إمكانية أن تشهد بعض المشروعات الاقتصادية الإقليمية المهمة، والتي تشكّل سورية جوهرها، طريقها إلى التنفيذ، لكونها تضمن حضوراً اقتصادياً روسياً أعمق في المنطقة، وتسهم في كسر حلقة العقوبات التي يريد الغرب محاصرة موسكو عبرها.
ومن بين تلك المشروعات الربط السككي بين سورية والعراق وإيران، والذي كانت روسيا قد أبدت استعدادها لعملية تنفيذه. كما أنَّ المشروعات الروسية في سورية، والتي جرى إبرام عقود بشأنها بين مؤسَّسات سورية وشركات روسية، يمكن أن تشهد أيضاً إجراءات عمليّة تدخلها في خانة التنفيذ الفعلي، وذلك من قبيل البدء بعمليات التنقيب الفعلي عن النفط والغاز في المياه الإقليمية السورية.
– من الطّبيعي أن تعاود موسكو رسم خريطة جديدة لتجارتها الخارجية، وهو حال أيّ دولة تتعرض لعقوبات خارجية، ويفترض أن تكون سورية من الدول التي ستكون حاضرة على تلك الخارطة لأسباب سياسية متعلّقة بالتحالف القائم بين البلدين، وتعرضهما لعقوبات غربية مشتركة واقتصادية، فحواها سوق استهلاكية ليست كبيرة وذات قوة شرائية عالية، إلا أنّها تبقى ضمن الأسواق المتاحة، وخصوصاً أنَّ العقوبات الغربية على روسيا قد تستمرّ طويلاً، وربما تزداد شدتها خلال الفترة القادمة، تبعاً لنتائج العملية العسكرية في أوكرانيا.
خطوات ضرورية
لا شكّ في أنَّ امتناع ما يقارب 35 دولة عن التصويت على قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يدين العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لم يأتِ من خلفية مواقف سياسية تتبناها بعض تلك الدول فحسب، إنما هناك أيضاً دول تريد المحافظة على استمرارية علاقاتها الاقتصادية مع موسكو.
تالياً، إنَّ سورية لن تكون الدولة الوحيدة التي يمكن أن تهتمّ بجذب الاستثمارات الروسية الهاربة من شبح العقوبات الغربية، فهناك دول أخرى تبدو، بحكم أوضاعها الاقتصادية واستقرارها السياسي والأمني، أكثر حظوةً باستقطاب الاستثمارات والأموال الروسية، الأمر الذي يضع المؤسّسات الاقتصادية العامة والخاصة في سورية أمام تحدٍ زمنيٍ لإنجاز ما يلي:
– تحديد الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تحظى باهتمام رجال الأعمال والمستثمرين الروس، ووضع دراسات جدوى حقيقية لها، ليصار لاحقاً إلى عرضها على الجانب الروسي والترويج لها.
– دراسة الفرص التجارية التي يمكن لسورية أن تضيفها إلى مبادلاتها التجارية مع موسكو من حيث الواردات والصادرات، مع اعتماد آلية رقابة وتحقّق على الصادرات السورية، منعاً لأية مخالفات قد تضر بسمعة المنتجات السورية.
– تشجيع القطاع الخاص السوري على التواصل مع نظيره الروسي، وبحث سبل زيادة التعاون الاقتصادي والاستثماري بين البلدين، والاتفاق على مشروعات مشتركة تعود بالنفع على الجانبيين.
– ضرورة إجراء تقييم موضوعي وجريء لمعوّقات المناخ الاستثماري في البلاد، والخطوات والإجراءات العاجلة المفترض اتخاذها لتحسين بيئة الأعمال وطمأنة المستثمرين ورجال الأعمال الأجانب. هذا الأمر بات لازماً مع الحديث أيضاً عن انفتاح اقتصادي عربي على سورية.
الميادين نت – زياد غصن