بدايات غير مبشرة لموسم 2024.. لا مستلزمات كافية للقمح ولا مؤشرات لإنتاج بدائل المستوردات!!

بدايات غير مبشرة لموسم 2024.. لا مستلزمات كافية للقمح ولا مؤشرات لإنتاج بدائل المستوردات!!

13

شارع المال|

وافق مجلس الوزراء بتاريخ مبكر على الخطة الإنتاجية الزراعية لموسم 2023 ـ 2024 والتي تضمّنت استثمار المساحات القابلة للإنتاج الزراعي بكل أصنافه وزيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل الإستراتيجية، وفي مقدمتها القمح، والاعتماد على الإمكانيات المحلية لتوفير مستلزمات الإنتاج.

وتوقعنا أن تكون الحكومة قرّرت أخيراً الاعتماد على الذات وإنتاج احتياجات السوريين من الغذاء بسواعد المنتجين، لا بنفوذ المستوردين، مع ما يعنيه هذا الاعتماد من توفير للقطع الأجنبي النادر والذي أصبح عزيز المنال!.
ومن الطبيعي أن تتضمن خطة الاعتماد على إنتاج بدائل المستوردات تأمين مستلزمات المحاصيل الغذائية والعلفية، ومن أهمها القمح والشعير والعدس والذرة الصفراء وفول الصويا.. الخ، ومن المنطقي جداً أن من يقرّر التخلّي ولو تدريجياً عن استيراد السلع التي كنا مكتفين منها ذاتياً على مدى عقود قبل أن نتحوّل إلى مستورديها، أن يضع برامج مادية وزمنية لتأمين مستلزمات الاعتماد على الذات بوقت مبكر تجنباً لأيّ خلل أثناء تنفيذ الخطة الزراعية لموسم 2023 ـ 2024 التي كنا نأمل أن يكون التنفيذ لها مثالياً بعد سنوات من الإهمال والاعتماد على قلة من المستوردين المتنفذين.
وعلى الرغم من تفاؤلنا الحذر، فإن البدايات لتنفيذ الخطة الزراعية الجديدة والتي تجسّدت بصيحات استغاثة من الفلاحين في معظم المحافظات تجاوزت هذا الحذر بأضعاف، فقد كانت بدايات محبطة لأي آمال بإمكانية تنفيذ أيّ خطط للاعتماد على الذات في الأمد المنظور!!.

رفع أسعار الأسمدة!!
ولم تكن بدايات تنفيذ الخطة مشجّعة، فقد توقف المصرف الزراعي عن بيع الأسمدة للفلاحين منذ أيلول الماضي، وكانت التوقعات أن الحكومة بصدد ترجمة أقوالها بتقديم دعم ملموس للزراعة، لكنها فعلت العكس، فالبدايات كانت برفع أسعار الأسمدة التي ستوزع في 1/12/2023 ما يعني رفع كلف المنتجات الزراعية، وزيادة عدد الفلاحين غير القادرين على شرائها.
وحسب توصية اللجنة الاقتصادية، فقد حدّد رئيس الحكومة سعر مبيع طن سماد اليوريا للفلاحين من المصرف الزراعي بمبلغ 8 ملايين ليرة، وطن سماد سوبر فوسفات بمبلغ 6 ملايين ليرة، وطن سماد الكالنترو بمبلغ 5 ملايين ليرة.
وللمقارنة الرقمية، نشير إلى أن اللجنة الاقتصادية رفعت منذ عام بتاريخ 29/11/2022 أسعار مبيع طن سماد الفوسفات من 1.250 مليون ليرة إلى 2.5 مليون ليرة، وطن اليوريا من 1.5 مليون إلى 3 ملايين ليرة، ونترات الأمونيوم من 825 ألفاً إلى 1.65 مليون.. الخ.

50% فقط سماد حكومي للقمح        
وعلى الرغم من رفع أسعار الأسمدة المرة تلو المرة، فقد كشف وزير الزراعة المهندس محمد حسان قطنا أن الحكومة لم تؤمّن سوى نحو 50% من احتياجات محصول القمح من سماد اليوريا حتى الآن وكامل احتياجاته من السماد الفوسفاتي وفق جدول الاحتياج المعتمد لدى المصرف الزراعي، وهذا يعني أن الأسمدة الحكومية غير متوفر للمحاصيل الأخرى!.
ويُعوّل وزير الزراعة على القطاع الخاص بتأمين احتياجات الزراعة لمن يرغب بشرائها من الفلاحين بالأسعار الحرة، وقد أكد أن “القطاع الخاص قام بتأمين كميات إضافية من الأسمدة والتي تمّ إتاحتها للتداول في الأسواق”.

الأسمدة للقمح فقط!!
ونستغرب جداً ألا تصل أيّ كميات من الأسمدة للفلاحين الذين يعتمدون على المحاصيل الصيفية والأشجار المثمرة في الموسم الماضي، بذريعة أن الأسمدة للقمح فقط، فهل تحصر وزارة الزراعة في خططها الأسمدة بالقمح فقط، أم الأمر منوط باللجنة الاقتصادية؟.
وإذا كان موسم قمح 2023 (ارتوى) من الأسمدة حسب حاجته.. فلماذا لم يكن على قدر التوقعات والتنبؤات؟..
والسؤال الأهم: هل 3 كيلو غرامات للدونم الواحد من القمح كافية لزيادة مردود وحدة الإنتاج؟.
إن عدم تزويد الفلاحين بالأسمدة المدعومة جزئياً لتنفيذ الخطة الزراعية لعام 2023 ـ 2024 سواء للقمح أم للمحاصيل الأخرى سيحرم صغار المنتجين من التقيّد بالخطة، وسيتعرضون لخسائر بفعل المردود الضعيف لمحاصيلهم، في حين سيشتري المقتدر مالياً الأسمدة من السوق السوداء ويزيد فارق ثمنها على كلف الإنتاج، وبالتالي سيزداد سعر كلّ المواد الغذائية، إلى مستويات تفوق قدرات ملايين العاملين بأجر، أليس هذا واقعنا منذ عدة سنوات؟.

ما من فلاح متخصص بالقمح فقط!!
ما لفتنا، بل وأثار استغرابنا تداول شعار “الأسمدة للقمح فقط”، وكأنّ هناك منتجون متخصّصون بمحصول دون آخر، فما من مزارع إلا ويزرع عدة محاصيل حسب المحافظة التي يعيش فيها، فهناك الكثير من الفلاحين يعتمدون على زراعة الحبوب والأشجار المثمرة كحمص والقنيطرة وريف دمشق وطرطوس واللاذفية، فلماذا حرمتهم اللجنة الاقتصادية من الأسمدة بذريعة أنها حكر على القمح فقط؟.
ولو أن محصول القمح متوفر بالكميات الكافية حتى لمحصول القمح، فلماذا كان مردود الهكتار ضئيلاً جداً خلال السنوات الماضية، حتى في الأراضي المروية؟.

من حق الفلاحين في معظم المحافظات أن يستغربوا حرمانهم من الأسمدة، ويشيرون إلى التناقض في تصريحات الجهات المعنية بالقطاع الزراعي، فهم يؤكدون ضرورة دعم القطاع الزراعي لما له من أهمية كبرى في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق الاكتفاء الذاتي لملايين السوريين من جهة، لكنهم لا يوفرون مستلزمات إنتاج الاكتفاء الذاتي من جهة أخرى، وهذا التناقض بين الأقوال والأفعال قائم ومستمر منذ سنوات ولا يستفيد منه سوى المستوردين المتنفذين!!.

ثلاث سنوات بلا أسمدة
وإذا كان هناك من مبررات لحجب الأسمدة عن كلّ المحاصيل باستثناء القمح لموسم زراعي، فهل من مبرر واحد لحجب الأسمدة عن مزارعي محافظة لمدة ثلاث سنوات متتالية؟.
نعم، المزارعون في محافظة طرطوس حرمتهم اللجنة الاقتصادية من سماد اليوريا للعام الثالث على التوالي، بالإضافة إلى حرمانهم من مستلزمات الزراعة المدعومة الكافية الأخرى كالبذار والمحروقات.. الخ.
وإذا لم يتمّ الدعم الآن في بدايات تنفيذ الخطط للمواسم الزراعية بذريعة “انتظار التسعيرة”، فمتى ستوزع مستلزمات المحاصيل الشتوية؟.

يقول الفلاحون في المحافظات الزراعية: نحتاج إلى مادة الأسمدة الفوسفاتية مهما كانت كمياتها قليلة في مطلع شهر تشرين الثاني لإضافتها إلى المحاصيل الشتوية والأشجار المثمرة قبل الفلاحة الخريفية، لكن الجهات المعنية حرمتنا منها في المواسم الماضية، ولم توزّع علينا سوى نصف احتياجات القمح من الأسمدة.. الخ!!.
السؤال: ماذا يفعل الفلاح أمام حجب المستلزمات المدعومة؟.
إما يزرع بلا أسمدة وأدوية ومحروقات كافية، أو يشتريها من السوق السوداء بضعف سعرها في المصرف الزراعي!.
والظاهرة المقلقة، بل والخطيرة أن الكثير من الفلاحين تخلّى عن الزراعات الأساسية المكلفة جداً، واستبدلها بمحاصيل قليلة الكلفة وسريعة وعالية المردود، ولا يبدو أن هذا التحول يُقلق وزارة الزراعة أو اللجنة الاقتصادية مادام يُخفّف الضغط عن مستلزمات القطاع الزراعي!!.

الخلاصة..
المؤشرات في بدايات تنفيذ الخطة الزراعية ليست مشجعة، بل تؤكد أننا أمام إنتاج قليل كما كان الحال في الأعوام الماضية إن لم يكن أسوأ، فالأسمدة لم توزّع حتى الآن وكمياتها قليلة جداً، وكميات بذار القمح المسلمة للمصارف الزراعية أقل بكثير من العام الماضي، والمحروقات كما توحي الوقائع لن تكون أفضل من المواسم الماضية، وكل ذلك يؤكد أن دعم القطاع الزراعي لم يخرج من دائرة الأقوال إلى الأفعال، والمستفيد الوحيد من هذا الواقع هم قلّة من المستوردين المتنفذين!!.

علي عبود