صفيحة زيت الزيتون تكسر حاجز الـ 120 ألف ليرة وشكاوى المنتجين تتواصل!

528

شارع المال|

يتوسط محمد جباوي، مزارع الزيتون في ريف درعا الشمالي الغربي، مجموعة من نظرائه في إحدى المعاصر ليشرح لهم كيف أن عوائد زراعة هذا المحصول باتت محدودة، بالرغم من ارتفاع أسعار ثماره وزيته على نحو غير مسبوق. جباوي الذي باع صفيحة الزيت للموسم الجاري بـ 125 ألف ليرة سورية، سبق له أن باعها، خلال الموسم الفائت، بـ 25 ألفا فقط، ومع هذا يترحم على العوائد التي جناها من بيع زيت ذاك الموسم، فأين المشكلة إذن..؟!
خلاف واختلاف..
سلعة تباع بخمسة أضعاف سعرها السابق، ومن ذلك يشكو البائع من خسارة، أو قلة العائد، وهذا خلافا لأبسط قواعد الاستثمار، التي تقتضي أن يزيد الربح بزيادة السعر، لكن يبدو أن ارتفاع تكاليف الإنتاج قلب المعادلة رأسا على عقب، ما حدّ من مردودية هذه الزراعة.. يقول مزارع آخر يقدم نفسه بأن لديه أكثر من ثمانين دونما مزروعة بأشجار الزيتون، ومع هذا، فإن العوائد التي يحصل عليها من هذا البستان، جراء بيع الثمار والزيت، لا تشكل سوى أقل من 20 بالمئة، مما لو اقتلع هذه الأشجار، وزرع الأرض بالحبوب، التي هي أقل تعبا وجهدا، فهل باتت زراعة الزيتون أقل جذبا للمزارعين؟!
حساب الحقل والبيدر
حاولت “البعث الأسبوعية” التدقيق في تكاليف الإنتاج، وذلك من واقع أوساط المزارعين والأسواق، ليتبين لها أن متوسط الكمية المطلوبة لإنتاج صفيحة زيت هي بحدود 100 كغ، وأن سعر الكغ الواحد بالمتوسط 900 ليرة، وبالتالي تحتاج هذه الصفيحة 90 ألفا، كما أن تكلفة قطاف الكغ مئة ليرة، أي تسعة آلاف ليرة، وتكلفة العصر 63 ليرة للكغ (تسعيرة رسمية)، أي 5670 ليرة، وثمن العبوة الفارغة ثلاثة آلاف، مضافا إليها 2330 ليرة تكاليف نقل، وأربعة آلاف تكاليف مختلفة (سقاية، سماد، رش مبيدات، تقليم، إلخ..).
وهكذا تصل التكلفة الإجمالية للصفيحة إلى 114 ألف ليرة، فإذا ما بيعت بـ 125 ألفا (أرض المزرعة)، فإن العائد على المزارع يكون 11 ألفا، وهو ما لا يتناسب مع عناء هذه الزراعة، التي تحتاج الكثير من الجهد والصبر.. ويعلق بعض المزارعين بالقول: أيعقل أن يربح أحدنا هذا الربح البسيط، مع التعب والجد المبذولين لعام كامل من الحراثة والسقاية والتقليم وغيرها، فيما يربح تاجر الجملة مثل هذا المبلغ لمجرد تحريك صفيحة زيت دوار الشمس أو الذرة من مستودعه إلى أرفف البيع، علما بأنها كسرت، مؤخرا، حاجز الـ 70 ألف ليرة.. ؟!
وحساب آخر..!
يصدر، بين الفينة والأخرى، تصريح هنا وآخر هناك، حول تكلفة إنتاج الكغ الواحد من الزيتون أو الزيت، وبالتالي فإن السعر النهائي للصفيحة يجب أن يتحدد بناء على هذه التكلفة.. طبعا مثل هذا التصريح قد يصدر عن وزارات الزراعة أو التجارة الداخلية أو الاقتصاد أو ربما عن جهات أخرى، ومع أهميته في تنوير المستهلك وحمايته من التضليل والغش بأنواعه وأشكاله المختلفة، إلا أن مثل هذه التكلفة قد لا تتطابق مع واقع الحال، كما يراه المزارعون أنفسهم، الذين يحددون سعر المبيع (أرض المزرعة او المعصرة) بناء على هذه التكاليف، وليس على ما تقوله هذه الجهة أو تلك..
ويرجع تفاوت تحديد التكاليف بين المزارعين وهذه الجهات لعديد من الأسباب، لعل أبرزها التغير المتسارع لأسعار مستلزمات الإنتاج؛ فمثلا، قدرت أوساط غرف الزراعة وأسواق الهال تكلفة صفيحة الزيت، قبل شهرين أو ثلاثة، بأقل من 80 ألفا، ولكن تكلفة عصر الكغ يومها كانت بـ 20 – 30 ليرة، فيما ارتفعت حاليا إلى 63 ليرة، والعبوة المعدنية سعة 16 كغ من 3300 إلى 400 ليرة، والبلاستكية (بدون) من 2400 إلى 2800 ليرة، وهكذا بالنسبة لبقية التكاليف الأخرى، ما يرفع بشكل طبيعي التكلفة الإجمالية.
وكان مدير الاقتصاد الزراعي في وزارة الزراعة، أحمد الدياب، قدّر قبل أيام تكلفة إنتاج الكغ من الزيت بين 3400 – 3500 ليرة، تبعا للزراعة بعلية أم مروية، ليكون بذلك سعر الصفيحة زنة 16 كغ بحدود 56 ألفا، وبالتالي فإنها عندما تباع بأكثر من 100 ألف، فإن هامش الربح هنا يصل إلى 100%، في حين يجب ألا يتجاوز الـ 40 %، بحيث يكون السعر النهائي 78 ألف ليرة.
عن الوسيط والمباشر..
لا بد من الإشارة إلى أن التكاليف التي ذكرناها هي للبيع المباشر، ولا علاقة لها بتاجر أو وسيط، وبالتالي فإن المزارع يبيع بأقل سعر ممكن أن يتحمله، دون أن يخسر. ولا شك أن السعر سيصبح مختلفا عند الحديث عن الحلقات الوسيطة، سيما مع شح الزيت في الأسواق، جراء المعاومة والاحتكار والشحن خارج البلاد وغير ذلك..
عموما، لا تحكم الأسواق المحلية لدينا هوامش ربح محددة، لا في هذه المادة ولا غيرها، فمن المعروف، حول العالم، مثلا، أن ما يدفعه المستهلك النهائي يشكل 25% من قيمة السلعة (أرض المعمل، أو المزرعة، أو..)؛ فمثلا، لو كانت لدينا سلعة بألف ليرة، فإنها ستصل إلى المستهلك بـ1250 ليرة، ولكن لا أحد لدينا من الباعة – إلا من رحم ربي – يقبل بمثل هذا الربح، كما أن مجرد قبول فكرة تحديد هامش ربح تبدو صعبة الهضم، وغير مستساغة، لدى أطراف العملية التجارية بتعقيداتها وتشعباتها المختلفة..!
الزيت الساحلي
ما من شك بأن الحرائق التي التهمت الغابات في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماة، وتضرر منها حوالى 3.5 ملايين شجرة، أثرت على الأسواق، بيد أن متعاملين بالزيت قللوا من هذا التأثير، نظرا لمحدودية هذا العدد قياسا بالثروة الوطنية الكبيرة من أشجار الزيتون، والتي ما زالت التقديرات الأولية تشير إلى أن عددها بقي فوق 70 مليونا، بالرغم من ظروف الحرب والقطع الجائر، علما بأن هذا العدد كان قبل الحرب يفوق 90 مليونا، لأن سورية هي واحدة من أكبر أربع منتجين حوال العالم، ويضع هؤلاء هذا العامل في المرتبة الرابعة تقريبا، بعد عوامل المعاومة والشحن للخارج وارتفاع التكاليف، ولعل تأثير هذه العوامل يظهر جاليا في المنطقة الشمالية (إدلب وحلب)، أكبر منطقة منتجة للزيتون في البلاد.
الزيوت الأخرى
أدى ارتفاع أسعار زيوت المائدة المختلفة، سيما زيت دوار الشمس، إلى رفع سعر نظيره زيت الزيتون بنسبة فاقت 100 بالمئة، فقد كان سعر الصفيحة “تنكة” زنة 16 كغ، قبل موجة الغلاء الأخيرة بحدود 30 ألف ليرة، فيما كسرت للأسبوع الجاري حاجز الـ 70 ألفا، ما قلص الفارق بين سعر صفيحتي الزيت، لأن كل زيادة تطرأ على إحداها تؤدي إلى زيادة الأخرى.؛ وبالتالي فإن المستهلك يصنع قراره الشرائي بناء على هذا المتغير، بالرغم من تفاوت الحاجة والاستخدامات لكلا الزيتين..
متوسط الاستهلاك
تفيد المعطيات الصادرة عن مكتب الزيتون في وزارة الزراعة وأوساط السوق والمنتجين بأن البلاد تستهلك سنويا حوالى 120 ألف طن من الزيت، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد سنويا بين 6 – 8 كغ، وهو متوسط منخفض قياسا بنظيره العالمي، الذي يتجاوز الـ 15 كغ، ويصل في اليونان، التي تعد واحدة من أكثر الدول استهلاكا وإنتاجا حول العالم، إلى 19 كغ.
ويتفاوت الاستهلاك المحلي بين المناطق والمحافظات على نحو بيّن، فبينما يصل في محافظات حلب وإدلب واللاذقية وطرطوس إلى حوالى 20 كغ، وفي درعا وحمص بحدود 15 كغ، نجده لا يتجاوز في المنطقة الشرقية الواحد كغ، بالنظر لقلة الإنتاج هناك، واعتماد المستهلكين في تلك المنطقة على المنتجات الحيوانية “السمن البلدي”.
خريطة الإنتاج العالمي
تؤشر خريطة الإنتاج حول العالم، إلى أن سورية تحتل المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج الزيت بحوالى 168 ألف طن سنويا، بعد إسبانيا وإيطاليا واليونان، التي تنتج 1.199 مليون طن، و588 ألفا، و344 ألفا على التوالي، على التوالي، علما بأن سورية تقدمت، خلال العقدين الأخيرين على كل من تونس “الخامسة”، وتركيا “السادسة”.
“البعث الأسبوعية” ــ أحمد العمار