باحثة اقتصادية: رفع الدعم وزيادة أسعار الطاقة ليس إلا مزيداً من إفقار الفقراء..!.

440

شارع المال|

ليست زيادة الناتج المحلي الإجمالي، أو ما يعرف بـ”النمو الاقتصادي”، مؤشراً على تحقيق التنمية، ما دامت الهوّة في توزيع الدخل بين المواطنين واسعة، وهي التي تُقاس عادة بـ”معامل جيني” Gini coefficient.

ومثلما تخفي المقاييس الإجمالية للناتج المحلي الإجمالي التباين بين النمو الاقتصادي من جهة، وغياب العدالة في توزيع الدخول من جهة أخرى، كذلك الأمر بالنسبة لمعدّل التضخم، حيث أن قراءة الرقم المطلق للتضخم لا تعكس بالضرورة حقيقة أثره على فئات الدخل المختلفة.

يُقاس التضخم عبر الرقم القياسي لأسعار المستهلك (CPI)، الذي يظهر التغيرات في أسعار سلّة السلع والخدمات التي تشتريها الأسرة. يُحسب هذا الرقم من خلال أسعار 1450 مادة مبوبّة ضمن 775 مادة رئيسية. ووفقاً لهذه العملية الحسابية، تُخصِّص الأسرة السورية 37.8% من إنفاقها على الأغذية التي تشمل الخبز والبقوليات والزيوت والألبان والأجبان وغيرها، و21% على المشروبات غير الكحولية مثل البن والشاي، أي أن نحو 40% من إجمالي الإنفاق موجّه للطعام والشراب فقط. وتنفق الأسرة 29.59% على إيجار للسكن وصيانته وعلى الكهرباء والغاز. وبهذا، نجد أن نحو 70% من مجمل إنفاق الأسرة يتركّز على تلبية الاحتياجات الأساسية.

لكن هل مكوّنات السلّة التي تم شراؤها فعلياً في العام 2020، هي ذاتها للأسر الفقيرة والأسر الغنية؟

عدم المساواة في التضخم

تُخصّص الأسر “الفقيرة” ذات الدخل المنخفض القسم الأكبر من إنفاقها على الضروريّات، مثل الغذاء والطاقة والنقل والإسكان، وقد شكلّت هذه 75% من التضخم. بينما تنفق الأسر “الغنية” – أو ذات الدخل المرتفع – مبالغ أقل على هذه السلع، وأكثر على السلع الكماليّة التي لم ترتفع بأكثر من 5%.

وباعتبار أن لهذه البنود، أي “الضروريات”، طلب صارم للغاية، أي “غير مرن”، وهو ما يجعل التخلي عنها أمراً صعباً (يمكن للمرء التوقف عن شراء الألبسة والأحذية إذا ما أصبحت باهظة الثمن، لكن لا يمكنه التوقف عن الإنفاق على السلع الغذائية)، فإن ارتفاع التضخم له تأثير غير متساوٍ تبعاً لاختلاف فئات الدخل. أي أن الاختلافات في ارتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى مستويات غير متكافئة من التضخم لمختلف الأسر؛ ويطلق على هذه الظاهرة وصف عدم المساواة في التضخم“. بهذا، فإن قراءة معدل التضخّم بمعزل عن الاختلاف في أوجه الإنفاق بين الأسر السورية، يعطي صورة مشوّهة لانعكاسه على الرفاهية الاقتصادية لدى فئات الدخل المختلفة.

وعليه، فإن تحليل العناصر المسؤولة عن ارتفاع التضخّم يمكن أن يرسم صورة أوضح لكيفية تأثير ارتفاع الأسعار على الأسر السورية ودوره في زيادة هامش عدم المساواة بين الأغنياء والفقراء. وهو ما يظهره الشكل أدناه:

إفقار الفقراء بقرار حكومي

تشكّل البنود المذكورة في الشكل البياني أعلاه الأرقام القياسية لمجموعة من أكثر السلع التي تنفق عليها الأسرة السورية، والتي أسهمت بنحو 55% من ارتفاع الأسعار عام 2020، بينما ارتفعت تكلفة الكهرباء والغاز والنقل بمقدار أقل، بالمقارنة مع الوسطيّ العام للأسعار (2870.92)، مما ساعد في الحد من وطأة التضخم على الفئات الأكثر فقرًا. يستدعي هذا الواقع إعادة التفكير في التضخم لتحسين الطريقة التي تُقرأ وتُقاس بها الأرقام القياسية لأسعار المستهلك. فرفع الدعم “تحت مسميّاته المختلفة” وزيادة أسعار الطاقة والوقود، ليس إلا مزيدًا من إفقار الفقراء بقرار حكومي.

يشير تقرير مسح الأمن الغذائي في سورية – “المرحلة الرابعة” – إلى ارتفاع نسبة الأسر التي اتبعت سلوكيات تأقلم مختلفة (مثل بيع للأصول الأسرية كالثلاجة والأثاث، أو بيع أصول تدّر دخلًا مثل آلة الخياطة والمواشي) بهدف تأمين الغذاء إلى 51.3% في العام 2020 مقارنة بـ 27% في العام 2015.

وبرغم تغير سلوك الأسرة في الإنفاق جذرياً خلال سنوات الحرب وتخصيص مبالغ أكبر على الأغذية، إلا أن آخر مرة تم فيها تعديل الرقم القياسي لأسعار المستهلك كان في العام 2014، مما يغيّب التقلبات الكبيرة في أنماط الاستهلاك خلال السنوات التسع المنصرمة، وهو ما يظهر عدم موضوعية وعلمية المعايير الذي احتسب على أساسها الرقم القياسي لأسعار المستهلك.

وإذا ما استمر تجاهل عدم المساواة في التضخم قبل إقرار السياسات، ستزداد اللامساواة بين الأغنياء والفقراء، وستتّسع الفجوة بينهما، وسيكون أثر التضخّم مطابق تماماً للتهرب الضريبي وتركّز الثروة.

ومن أجل تحسين “الرفاه الاقتصادي” للأسر الأكثر فقراً، يجب أن تُكوّن الحكومة فهماً دقيقاً لاختلاف تأثير تغيرات الأسعار على فئات الدخل المختلفة، مما يمكنّها لاحقاً من وضع سياسات اقتصادية أكثر كفاءة وفعالية، وذات أثر أسرع على الفئات الأكثر هشاشة.

المصدر: أوان – الدكتورة رشا سيروب