شارع المال|
يتساءل كثيرون اليوم عن الفرق الكبير بين الواقع الاقتصادي على صفحات التواصل الاجتماعي الذي يكاد يرقى إلى المثالية، وما يرونه على أرض الواقع من عراقيل وصعوبات ووضع معيشي سيئ، فالـ”الفتوحات” الاقتصادية المنتشرة على عشرات المواقع والصفحات، وحتى على لسان بعض الناشطين والمتابعين، توحي بأن كلّ ما كان يحتاجه الاقتصاد طيلة هذه السنوات “كبسة زر” ليس إلا، بينما يحاول آخرون على أرض الواقع التمسّك بقشة، ورصد أية خطوة إيجابية يمكن البناء عليها لرؤية أو استراتيجية كاملة، يؤكد خبراء أنها لا تكتمل إلا بأشهر وسنوات حتى.
ولا شكّ أن الأشهر الأخيرة حظيت بالعديد من الخطوات والقوانين التي تشي بتغيّر واضح في نمطية التفكير، منها ما نجح، ومنها ما كُبّل بتعليمات تنفيذية أفقدته مضمونه، ومنها ما لا يزال قيد التجريب، في المقابل، لم تُلحظ تلك “النهضة” المزعومة إلكترونياً في أي من القطاعات، فالكثير من المنشآت تغلق، والورشات تنسحب من العمل، والأسعار تزداد ارتفاعاً، والإنتاج “على قده” والوضع المعيشي في تراجع مستمر، فعلى ماذا يعوّل السوريون اليوم لتحسين واقعهم الاقتصادي؟.
أستاذ الاقتصاد الدكتور شفيق عربش أشار إلى وجود حراك سياسي في المنطقة واضح ومهمّ، وتلاقٍ بين أطراف الحوار على ضرورة دراسة الواقع القائم وسبل حلّه، فهناك إيجابية لكن فرص النجاح لا تزال غير واضحة، مشبهاً الطريقة التي يتمّ تناول الموضوع فيها على بعض الصفحات بالـ”سكيتشات” الهزلية الساخرة، فحتى في ظل التفاؤل المفرط، يحتاج النهوض الحقيقي سنوات، وأن نكون في الداخل مستعدين اقتصادياً لأي تقارب، لكن اليوم ما هي استعداداتنا عدا الخطابات الإنشائية ومحاولة الإيهام بخطط ومشاريع ورؤى ليست موجودة إلا على الورق؟.
اخترنا لك!
وأوضح عربش أن الواقع يتجه من سيئ إلى أسوأ، وإنجاز الحكومة الحالية الوحيد هو استلامها وسعر الدولار 800 ليرة، لتتغيّر اليوم والسعر يقارب 15 ألفاً، فضلاً عن التضييق والتقييد، وقرارات وإجراءات متناقضة، ورفع أسعار متواصل، فالصناعة الآن بوضع صعب، والإنتاج الزراعي بأضعف حالاته، والقدرة الشرائية شبه معدومة.
وبرأي الخبير الاقتصادي يكون الاستعداد عبر قوانين وأنظمة واضحة وبسيطة، لأن سمة المعاملات اليوم هي الإرباك، فمثلاً ضريبة الدخل على الأرباح خاضعة لمزاجية المراقب إلى أبعد الحدود، وهذا لا يشجع مستثمراً، وخاصة من يأتي من دول قوة القانون فيها فوق الجميع، والمتابعة بسياسة “كشكش” و”رشرش” لا تفلح مع مستثمر أجنبي، مضيفاً أن قانون الاستثمار بحاجة إلى إعادة نظر جذرية، لأن الإعفاءات وحدها لا تجذب استثمارات، وقد فشلنا منذ القانون 10 لحدّ الآن بجذب الاستثمارات الخارجية، كما يجب مكافحة الفساد بشكل جذريّ، وعرض المشاريع بشكل لا لبس فيه، فالمستثمر يبحث عن الأمان واليسر والسهولة مالياً ونقدياً.
ورأى عربش ضرورة إعادة نظر جذرية بسياسة الرواتب والأجور، وشبكات الحماية الاجتماعية، وتشجيع حقيقي لا كلامي لإطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وإعطاء الفرصة الحقيقية للطبقة الوسطى، وإحياء ما تبقى منها فهي الحامل لأي بلد في العالم، مؤكداً أن الكثير من الدول عاشت التجربة السورية وأعادت تأسيس نفسها وطنياً، فمهما كان حجم الأموال كبيراً لا نتيجة له بغياب الإدارة السليمة والانتماء، معتبراً أن عقلية رجال الأعمال محلياً تعتمد “الهبش” وهذا منطق مرفوض!.
البعث – ريم ربيع