ضاع العسل من حوران.. الأزمة أطاحت بـ 60% من قطاع تربية النحل في درعا..!.

640

شارع المال|

لم تكن المصادفة لتصنع من قطاع تربية النحل في محافظة درعا قطاعاً ناجحاً، بل توافر البنية التحتية الداعمة له.. تنوّع الغطاء النباتي، انتشار الزراعات المختلفة، النباتات الرحيقية، كثرة المراعي وما إلى ذلك. وهي ليست بالبنية المستجدّة أو المستحدثة، بل جزء من إرث تاريخي طويل ومتواتر، حتى ارتبط إنتاج العسل بهذه المنطقة على نحو لافت، فمن أسماء حوران المعروفة إلى جانب “البلد الأسود”، “بلد الكهوف والمغاور”، “أهراء روما”، “باشان” وغيرها.. هناك “بلاد السمن والعسل”، وهي تسمية عُرفت بها في رسائل تل العمارنة، التي تشير إلى رسائل متبادلة بين سكان المنطقة والفراعنة، إبان حكم الفرعونيين “أمنحوتب” الثالث والرابع.

العسل المر!

أتت سنوات الأزمة بظلالها القاتمة على هذا القطاع، سواء لجهة تناقص عدد وحدات الإنتاج (الخلايا)، أم كمية الإنتاج ونوعيته، حيث قدّر مربّون محليون حاورتهم “البعث” تراجع التربية والإنتاج بنسبة لا تقل عن 60 بالمئة، وذلك تحت تأثير عدد من العوامل أبرزها: قطع أشجار الكينا، وتوقف بعض الزراعات كحبة البركة واليانسون، وصعوبة تحريك ونقل الخلايا ليلاً بين مناطق المحافظة وإلى محافظات أخرى، حيث كانت تنقل إلى الرقة للاستفادة من أزهار القطن وعباد الشمس، وإلى الساحل طلباً لأزهار الحمضيات، وإلى غوطة دمشق للتغذية على أزهار اليانسون وغيرها..

جغرافيا الإنتاج

يتركز أغلب الإنتاج والتربية في منطقة وادي اليرموك (جملة، حيط، سحم، الشجرة، الأشعري..)، وبنسب أقل في المناطق الغربية والشمالية، وإزرع والصنمين، ويقول مسؤول القطاع الشمالي في جمعية النحالين في نوى المربّي محمد التوم: من الصعب على المربي إبقاء خلاياه في منطقة محددة، بل لا بد من التنقل بحثاً عن الأزهار والمرعى المناسبة، بيد أن هذا التنقل يتطلب تكلفة كبيرة، تضاف إلى تكاليف الإنتاج، التي تضاعفت على نحو مبالغ فيه، ولما كان النحل حساساً جداً، فإن المربي مضطر لاستخدام أساليب وطرق الوقاية كلها، وهذا يعني مزيداً من التكاليف التي تقلل هامش الربح، وكثيراً ما يكبّده ذلك خسائر كبيرة، إلا أن النحال لا يغادر مهنته، لأنها بالنسبة له ليست مجرد مهنة، بل شغف ورعاية قد تصل إلى مستوى رعاية أولاده!.

التكاليف تقضم الإنتاج

على الرغم من أن متوسط إنتاج الخلية الواحدة ارتفع للموسم الجاري، وفقاً للتوم، إلى 10 كغ، وللمراعي جميعاً (ربيع، أشواك، يانسون)، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج حدّ من عوائد المربين بشكل كبير؛ فمثلاً وصل سعر الصندوق المصنوع من خشب السويد إلى 40 ألف ليرة سورية، والإطار الخشبي إلى 600 ليرة، والكغ الواحد من الشمع الصيني إلى ثمانية آلاف ليرة، فضلاً عن زيادة أسعار المبيدات وأدوات التعبئة والمعالجة وعمليات التنقل الدائم بحثاً عن المرعى، التي لا تتم إلا ليلاً، إضافة إلى غيرها من التكاليف الأخرى.

ويؤكد رئيس غرفة زراعة درعا المهندس جمال المسالمة بدء تحسّن الإنتاج نسبياً، مستفيداً من الموسم المطري الجيد، وما نجم عنه من توسع في الزراعات والأزهار الرحيقية، التي أمّنت مراعي مهمة للنحل، ولاسيما في منطقة وادي اليرموك والمنطقتين الغربية والشمالية من المحافظة، ويعتمد الإنتاج على مراعٍ، مثل حبة البركة واليانسون والكينا والأزهار البرية، مبيّناً أن هناك دعماً للمربين تقدّمه الغرفة والاتحاد العام للفلاحين، ولكنه غير كافٍ لتعويض زيادة تكاليف الإنتاج غير المسبوقة.

وتعدّ تربية النحل مصدر عيش مهمّاً لعدد لا بأس به من المربين في درعا، وقد وصل عدد الخلايا، قبل الأزمة، إلى 25 ألفاً، تؤمّن مصدر دخل لنحو 800 مربٍّ، ينتجون بين 35 – 40 طناً من العسل سنوياً، بيع الكغ الواحد منه بحدود خمسة آلاف ليرة، بينما تراجع عدد الخلايا اليوم إلى حوالى 12 ألفاً، والمربين إلى أقل من 500، والإنتاج إلى أقل من 10 أطنان، في وقت وصل فيه سعر الكغ إلى 20 ألف ليرة.

لا تفرّطوا بالنحل!

“لو اختفى النحل من بيننا، لتوقفت الحياة على الأرض، ولو بعد حين”، بهذه الكلمات يدقّ عضو اتحاد النحالين العرب وخبير التربية المهندس عبد الرحمن قرنفلة ناقوس الخطر، فالنحل الذي تعود تربيته إلى قرابة 4500 سنة مضت، ويوجد منه حالياً نحو 20 ألف نوع حول العالم، مسؤول عن تلقيح 80 بالمئة من النباتات المزهرة، المسؤولة بدورها عن 35 بالمئة من الإنتاج الزراعي، كما يؤدّي النحل إلى زيادة هذا الإنتاج للمحاصيل الغذائية الرئيسة بـ87 بالمئة، لافتاً إلى التأثيرات السلبية التي تركها وباء كوفيد-19 على هذا القطاع تربية وإنتاجاً وأسواقاً.

لأخذ العلم!

أورد كتاب (الدليل العملي في تربية النحل) الصادر، في وقت سابق، عن جمعية النحالين السوريين، أن عدد طوائف النحل في سورية بحدود 530 ألفاً، وهو رقم قليل قياساً إلى عدد المراعي وتنوّعها، وأن نصيب الفرد السوري 120 غراماً، ويعدّ متواضعاً إذا ما قيس بدول أخرى، فهو في رومانيا 240 غراماً، وفي بلغاريا 500، وهولندا 262، وإنكلترا وبلجيكا وروسيا 310، وفرنسا 407، وسويسرا 780، والنمسا 850، وكندا 860، وألمانيا 1000، بينما المتوسط العالمي 130 غراماً.

وينتج النحل السوري العسل من سبعة مراعٍ.. الحمضيات، الكينا، اليانسون وحبة البركة، الزعتر، دوار الشمس والقطن، الحلاب، العجرم، ويتفاوت الإنتاج وظروف التربية تبعاً لمواسم الأمطار والقدرة على التنقل بين هذه المراعي.

البعث -أحمد العمار

ournamar@yahoo.com