في الأسواق .. اللبنة تباع بالملعقة والجبنة بالوقية و”سندويشة المدرسة” باتت همّاً ثقيلاً!

في الأسواق .. اللبنة تباع بالملعقة والجبنة بالوقية و"سندويشة المدرسة" باتت همّاً ثقيلاً!

135

شارع المال|

لم يكن مشهدا في فيلم أجنبي اعتدنا فيه على رؤية الممثلين وهم يزنون الخضار ووجبات الطعام بالحبة والوقية.. فبعد جهد جهيد استطاعت الخطط الإستراتيجية للحكومة أن تضع المواطن بمصاف تلك الدول لا من ناحية التقدم والازدهار بل من منحى الاضطرار لشراء وجبة غذائهم بالحبة والحبتين في بلد زراعي بامتياز أكل وشرب على مدى عقود مما زرع.. لكنّ “وبقدرة قادر” تخطى هذه الميزة وجعل آلاف مؤلفة من أرباب الأسر يصلون الليل بالنهار لتأمين وجبة غذاء لا تكفي بالضرورة حاجة أجسادهم، فلم يعد يُدهشنا رؤية إحدى النسوة وهي تشتري ملعقتين من اللبنة أو “وقية” من الجبن  لصنع سندويشة لأولادها إلى المدارس، لاسيما أن أسعار جميع السلع باتت ضرباً من ضروب الخيال وأصبح التفكير بسندويشة المدرسة يشكل عبء ثقيل على أغلب الأسر بعد أن تجاوز سعر كيلو الحليب الـ٣٥٠٠ ليرة وعزوف الكثير من المربين عن تربية الأبقار كرد عكسي على اللاتدخل الحكومي بتأمين العلف ومستلزمات التربية ووصولنا آجلا أم عاجلا إلى حلقة مستوردي الألبان والأجبان والزيت وغيره من خيرات البلد التي تتهاوي على مرأى من جميع المعنيين..

فوضى الأسواق

وعلى الرغم من تأكيد جمعية الألبان والأجبان عدم صدور نشرة أسعار جديدة لهذه المواد منذ أشهر طويلة، إلّا أن المربين لم يعد ينتظروا هذه النشرات التي باتت تصدر بشكل يومي وشخصي من “عقر دارهم” بشكل يتناسب طرداً مع أي ارتفاع لسعر الصرف أو أزمة اقتصادية محلية أو حرب لدولة بعيدة تؤثر بشكل غير مباشر على عمل جميع قطاعاتنا المحلية، فمن يراقب تسعيرة الحليب سيجد ارتفاع سعر المادة كل يومين دون حسيب أو رقيب وبتبرير واحد “الغلا علينا وعليكم” بالتالي من ليس مضطراً لشراء الحليب واللبن والجبن وغيرها من المشتقات عليه بالسكوت أو الرضوخ للواقع، الأمر الذي أكده لنا أحد المربين الذي يعتمد على دراجته لتسويق حليب الأبقار التي يربيها والتي –حسب قوله- يضطر لبيع قسم منها لإطعام ما تبقى وسط ارتفاع سعر الأعلاف، ناهيك عن ارتفاع جميع مستلزمات الإنتاج ووقوف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي تجاه واقع الثروة الحيوانية الذي بدأ ينهار، في حين يبقى الدلال ودغدغة التجار وإرضائهم هو الهدف الأساسي للحكومة، الأمر الذي يدفعنا لتجاهل تسعيرتها ووضع تسعيرة تعادل تكاليف الإنتاج تيّمناً بما يفعله التجار.

غش بالتصنيع

كذلك لم ينف سامي عبيد صاحب ورشة تصنيع للألبان والأجبان تجاهل حماية المستهلك لتعديل التسعيرة القديمة لهذه المواد، خاصّة وأنّ سعر الحليب الذي يشتريه من المربي مباشرة لتصنيعه وصل إلى 2700 ليرة للكيلو، ويُضاف إليه كلف التجفيف والتصنيع والتغليف لتصل إلى حد التسويق، لذا من غير المعقول إلقاء اللوم على المربي وصاحب الورشة في رفع السعر في الوقت الذي ارتفعت به أسعار المحروقات والعلف وجميع المواد الداخلة بتصنيع الألبان والأجبان، ونفى عبيد ما يشاع في السوق حول تصنيع الألبان والأجبان من الحليب المجفف، كون سعر الحليب المجفف أغلى من الحليب الطبيعي، بالتالي يدخل في تصنيع ما يباع في السوق بسعر منخفض مواد كثيرة كالنشاء أو مواد تدخل في تصنيع الدهان وغيرها من المواد التي لا يمكن اكتشافها من قبل المستهلك، وتحدث عبيد عن انخفاض نسبة التصنيع عن السابق رافقها انخفاض نسبة الاستهلاك بسبب ارتفاع الأسعار وضعف القدرة الشرائية للمواطن، وفيما يتعلق بتأثير قرار منع شراء الصناعيين للمحروقات من السوق السوداء على هذه المنتجات لم ينكر عبيد أن قرار المنع هذا رافقه رفع سعر جميع منتجات الألبان والأجبان، ليبقى المواطن برأيه الخاسر الأول والأخير كون المربي والمصنع والتاجر لا يقبل الخسارة.

ظلم وإجحاف

عضو مجلس إدارة الجمعية الحرفية للألبان والأجبان أحمد السواس تحدث عن واقع صناعة الأجبان والألبان ووصفه “بالسيء للغاية ” بسبب الظروف التي يمر بها البلد والانقطاع الطويل للتيار الكهربائي يرافقه قلة حوامل الطاقة، منوّهاً إلى أن الحليب هو “الروح” لهذه الصناعة بالتالي لا بد من تعرضه للحرارة وتصنيعه بشكل فوري وإلّا فسد وخسرنا تصنيعه لذا لا بدّ من توفر المحروقات بشكل دائم لاستمرار هذه الصناعة، لكنّ قرار حماية المستهلك بمنعنا شراء المحروقات من السوق السوداء كان قرار جائر بحق الحرفيين لاسيّما وأن “شركة سادكوب”  لم تؤمن لحرفي الألبان والأجبان المحروقات الكافية منذ زمن، بالتالي يضطر الحرفي الملتزم بتسليم منتجاته لشراء المادة من السوق السوداء على مسؤوليته وعاتقه.

وفيما يتعلق بفوضى تسعيرة منتجات الألبان والأجبان بيّن السواس أن تسعيرة المادة تكون بناء على بيان التكلفة الذي نقدمه إلى مديرية التموين و دائرة الأسعار، لافتاً إلى وجود إجحاف بحق حرفيي الألبان والأجبان سببه عدم صدور تسعيرة جديدة لمنتجاتهم منذ تسع أشهر، وبرر عضو مجلس الإدارة  سبب اختلاف التسعيرة من منطقة لأخرى بارتفاع أجور النقل، مشيراً إلى أن سعر الحليب لا يتناسب مطلقاً مع كلفة الإنتاج التي ترتفع بشكل يومي.

انخفاض التصدير

وحول مساهمة هذا القطاع بالصناعة المحلية لفت السواس إلى أهمية هذا القطاع كونه مساهم كبير في الصناعة الوطنية لاسيّما و تعتبر مادة أساسية على موائد الطعام، مشيراً إلى وجود حوالي الـ 5000 حرفي منتسبين للجمعية، في المقابل وصلت نسبة المتسربين منها إلى حوالي  25% بسبب نقص حوامل الطاقة وارتفاع تكاليف الإنتاج، وأشار عضو مجلس الإدارة إلى ارتفاع معدل نقص الثروة الحيوانية والذي وصل إلى  الـ 35% كون معظم المربين استغنوا عن تربية الأبقار بسبب غلاء الأعلاف والأدوية البيطرية، وذكر أن الكثير من المربين عمدوا إلى بيع نصف ماشيتهم لإطعام النصف الآخر، الأمر الذي أدى لانخفاض الإنتاج بالتالي انخفاض نسبة التصدير بكميات محدودة بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها محلياً ووجود منافسة من دول الجوار بأسعار أقل.

البعث – ميس بركات