الحكومة لم تقف موقف المتفرج على انهيار القطاع الزراعي بل دقت مساميراً في نعشه!

الحكومة لم تقف موقف المتفرج على انهيار القطاع الزراعي بل دقت مساميراً في نعشه!

24

شارع المال|

 كما أن المستهلك بات يبحث عن السلعة الأرخص، وبغض النظر عن جودة مواصفاتها، فإن المزارع بات هو الآخر يبحث ويتجه نحو زراعة المحصول الأقل تكلفة لسببين: السبب الأول أنه غير قادر على توفير التمويل اللازم لزراعة المحاصيل الرئيسية، والتي تسجل اليوم أرقاماً خيالية مع اضطرار المزارع اللجوء إلى السوق السوداء لتأمين احتياجاته من المشتقات النفطية الأساسية في عملية سقاية المزروعات والنقل والتنقل والتدفئة وما إلى ذلك.

أما السبب الثاني فيكمن في احتمال تعرض المزارع لخسائر متعددة الأسباب، سواء نتيجة الصقيع والسيول والعواصف أو أثناء عملية تسويق منتجه الزراعي، لاسيما مع ضعف أو رمزية التعويضات الحكومية.

وهذا ربما ما يفسر الانتشار المتزايد لزراعة بعض المحاصيل الخاصة كالتوابل على حساب القمح والقطن مثلاً، أو انحسار بعض المزروعات لصالح مزروعات أخرى كما يحدث في الساحل أو حمص أو ريف دمشق وغيرها، حيث يجري استبدال أشجار الحمضيات وبعض الأشجار المثمرة بأخرى أقل تكلفة تبعاً لخصوصية كل منطقة، الأمر الذي يعني أن ثمة تغير ما يحدث في خريطة المحاصيل الزراعية لن تتضح تأثيراته إلا على المدى المتوسط.

وحسب ما يعتقد الخبير الزراعي أكرم عفيف صاحب إحدى أهم المبادرات الزراعية الفاعلة فإن “المشكلة الأولى تكمن في تمويل الإنتاج الزراعي، فالمزارع كان سابقاً لديه موسم وموسمين وأكثر أحياناً، والسبب أن تكلفة الدونم الواحد كانت تتراوح بين 10-15 ألف ليرة، أما اليوم فإنه ليس هناك دونم يكلف أقل من مليون ليرة وأيا كان المحصول المزروع، حتى محصول كالفول مثلاً، الذي كان يزرع أحياناً لفلاحته مع التربة”.

ويضيف عفيف إلى أن المساحة المزروعة، وكي تكون مجدية للفلاح أو المزارع لجهة تأمين معيشته وتمويل العملية الإنتاجية للموسم القادم يجب ألا تقل عن 40 دونماً، هذا إذا لم تتضاعف الأسعار مجدداً.

تتوزع عناصر التكلفة للإنتاج الزراعي على مجموعة واسعة من الأعمال والمستلزمات المباشرة وغير المباشرة، تأتي في مقدمتها المستلزمات الزراعية الأساسية من غراس وبذار، حراثة، سقاية، مبيدات، تعشيب، تقليم، جني المحصول، وتسويقه، فضلاً عن التكاليف المترتبة على خدمة الأرض يومياً، والمتمثلة في الأجور المترتبة على عمليات النقل والانتقال، وهذه جميعاً تأثرت وتتأثر بارتفاع معدلات التضخم في البلاد والحضور المتزايد للسوق السوداء في الحياة العامة، لكن إذا كانت بعض المهن تتمكن من مجاراة ارتفاع مستويات الأسعار في البلاد، فإن المزارع يبقى محكوماً بمعدلات أخرى أهمها: سطوة بعض الحلقات التجارية التي تأكل عادة “البيضة وتقشيرتها” في ظل فشل حكومي مزمن في كسر هذه السطوة، التكاليف الكبيرة المنظورة وغير المنظورة التي تدفع من قبل المزارعين أو التجار أثناء محاولة تسويق المنتجات الزراعية ونقلها إلى أسواق الهال، وهي تكاليف ترفع من أسعار المنتج الزراعي، لكن الفلاح ليس هو المستفيد في النهاية.

وهناك أيضاً الوضع الاقتصادي والمعيشي المتدهور في البلاد، والذي يؤدي تراجع الطلب وتأثر الأسعار بذلك، فالاستهلاك العام من بعض المنتجات الزراعية، وتحديداً من الفواكه، تراجع بشكل ملحوظ لدرجة شيوع عمليات الشراء بالحبة، ثم تأتي عملية التسعير الحكومي للمنتجات الزراعية لتزيد من عمق المشكلة.

ووفقاً لعفيف فإن “تسعيرة القمح سنوياً تمثل خير دليل على سوء هذه السياسة، التي فيها كثير من الجهل لاسيما عندما مقارنتها بالسعر العالمي الذي لا يعطى أصلاً، فالحكومة عندما تستورد قمحاً بالسعر العالمي، وأعلى أحياناً، لا تستورد معه تبناً أيضاً، بينما عندما يتم تشجيع زراعة القمح في بلدنا فإننا ننتج قمحاً وتبناً معاً، أي أننا نؤمن رغيف الخبز لمواطننا من جهة، ومن جهة أخرى نوفر العلف للثروة الحيوانية، التي تراجعت أعدادها إلى درجة عالية من الخطورة، وهذا أيضاً مع حصل مع معمل السكر، الذي توقف عن العمل جراء عدم الجدوى التشغيلية لكميات الشوندر المنتجة من قبل المزارعين، والسبب هو السعر المعطى للفلاحين، والذي جعلهم في الأعوام التالية لذلك يهجرون هذه الزراعة تماماً”.

ولم تكتف الحكومة بالوقوف موقف المتفرج على انهيار القطاع الزراعي في البلاد، بل راحت تدق عدة مسامير في نعش هذا القطاع، من خلال رفعها لأسعار المستلزمات الزراعية من سماد ومبيدات، وإهمالها توفير حوامل الطاقة من مازوت وكهرباء بكميات كافية وعادلة تساعد المزارعين على زراعة المزيد من المساحات، وعدم اهتمامها الفعلي بمساعدة الفلاحين على تسويق منتجاتهم من دون اضطرارهم للحلقات التجارية الوسيطة والاستغلالية.

هنا يُحمل محمد كشتو رئيس اتحاد غرف الزراعة السورية بعض القرارات الحكومية السابقة مسؤولية ما أصاب القطاع الزراعي، كالقرار الذي اتخذ قبل سنوات عدة، وتم بموجبه فرض رسم جمركي على استيراد الأعلاف رغم التحذيرات التي أطلقت في حينه حيال منعكسات ذلك القرار سلبياً على قطاع الثروة الحيوانية.

ولذلك فإن كشتو، وفي مواجهة الأعباء التي يتحملها المزارع والخسائر التي يعاني منها وتدفعه تالياً إلى التخلي عن مهنة الزراعة، فهو يؤيد فتح باب التصدير أمام جميع المنتجات الزراعية مبرراً ذلك بأمرين: الأول أن هناك منتجات تزرع فقط من أجل بيعها في السوق المحلية لاعتبارات متعلقة بمواصفات المنتج والصنف ونوعية التربة وتوقيت الإنتاج، وتالياً لا خوف على توفر المنتجات في الأسواق المحلية، والأمر الثاني أن التصدير سوف يشجع على استثمار المزيد من المساحات الزراعية في الأعوام التالية، وهو ما يعني زيادة كبيرة في معدلات الإنتاج ستكون كافية لإغراق السوق المحلية والأسواق الخارجية المستقبلة للمنتجات الزراعية السورية”.

قد يكون هذا المقترح مخيفاً بعض الشيء لجهة تسببه بارتفاع أسعار السلع والمنتجات الزراعية وبما يفوق قدرة المستهلك المحلي، لكن يمكن مسك العصا من المنتصف بحيث يصار إلى ضبط الكميات المصدرة وفقاً للفائض المتحقق من جهة، والمواصفات التصديرية المحققة من قبل المنتجات الزراعية من جهة أخرى. إنما بالعموم ليس هناك أدنى شك أن إنعاش القطاع الزراعي فعلياً، وبعيداً عن الخطابات والاستراتيجيات النظرية، يمكنه أن ينقذ البلاد والعباد مما هم فيه اليوم من ضائقة معيشية واقتصادية اجتماعية.

أثر برس – زياد غصن