صناعة الألبسة بطريقها إلى الانحسار.. والمشكلة بهزالة الدخل لا بشيء آخر!

صناعة الألبسة بطريقها إلى الانحسار.. والمشكلة بهزالة الدخل لا بشيء آخر!

21

صناعة الألبسة لاتنتعش بالإعفاءات الجمركية!

كتب علي عبود

لفتنا تصريح الصناعي بسام سلطان رئيس لجنة الألبسة في غرفة تجارة ريف دمشق فقد أكد بأن (صناعيي الألبسة اليوم ترهقهم التكاليف المرتفعة الداخلة في الصناعة، ومنها الأقمشة التي لا زالت تعاني من ندرتها وعدم توفرها بالشكل الكاف).. فهذا التأكيد يوحي وكأنّ صناعة الألبسة مزدهرة، وبأن إقبال الناس عليها، وخاصة في المناسبات والأعياد (مثل أيام زمان)!

وبما أن عيد الفطر الماضي لم يشهد إقبالا على سوق الألبسة وخاصة ألبسة الأطفال منها، ليس لارتفاع أسعارها مقارنة بتكاليفها، وإنما للقدرة الشرائية الهزيلة لملايين العاملين بأجر، فإن لاتخفيض الضرائب ولا إلغاء الرسوم الجمركية سيجعل أسعارها في متناول من لايكفيه الراتب لبضعة أيام بالكاد يشتري فيها الحد الأدنى من السلع الغذائية الأساسية.

وقد جرّب عدد من الورش إنتاج ألبسة بمواد رخيصة، أي بمواصفات الحد الأدنى، أو مادون الأدنى، من الجودة، ومع ذلك لم تنخفض أسعارها بما يناسب دخل ملايين العاملين بأجر!

وأمام هذا الواقع غير السار للصناعيين لانستغرب تصريحاتهم حول (أن ارتفاع أسعار الألبسة هو أولى التحديات أمام الصناعيين التي تقف عائقاً أمام مهنتهم) لكننا نستغرب إشارتهم إلى معاناتهم (باستيراد القماش الذي للأسف لم يُدرج في قائمة المواد الأولية، مما يجعله يأخذ رحلة طويلة من إجازة الاستيراد وانتظار الدور على المنصة في التمويل ودفع قيمته عند التثبيت، ودفع قيمته مرة ثانية، وانتظار الدور، وعند وصوله يدفع المستورد رسوماً جمركية بقيمة 9 بالمئة وأرقام أجور نقل من المرفأ إلى الجمارك وغيرها من أجور التخليص الجمركي والبيانات الأخرى)!

لو كان الأمر يتعلق بمادة غذائية أو سلعة من أساسيات المعيشة اليومية لملايين السوريين لوجدنا مبررا للشكوى والمعاناة، ولكن الجميع يعرف إن شراء الألبسة هو آخر اهتمامات ملايين الناس في ظل أوضاع معيشية غير مسبوقة، وما من مقترحات ولا حتى وعود بحلها في الأمد المنظور!

نعم، مراحل تصنيع الألبسة (بعد تخليصها جمركياً واستلام القماش تتطلب البحث عن باقي المستلزمات والإكسسوارات، واستكمال عمليات التزيين بالرسم والقص بعد اختيار الموديلات المناسبة وتوفير كافة الاستعدادات والتجهيزات لها، من الطاقة الكهربائية واليد العاملة وتكاليف النقل)، لكن رغم ذلك فإن مراحل التصنيع ليست ضاغطة على المنتجين طالما السوق راكدة والطلب عليها مادون المطلوب بكثير إلى حد يمكن القول فيه ان المصنعين باستثناء من يصدّر في أسوأ أوضاعهم!

ويبدو أن المشكلة الفعلية تبدأ قبل طرح المنتج للبيع وبأي سعر؟

الصناعي أمام خيارين: تصنيع ألبسة جيدة وبأسعار عالية مخصصة للتصدير في حال تمكنت من منافسة مثيلاتها في الأسواق الخارجية، أو تصنيع الألبسة بأسعار منخفضة ذات جودة ونوعية سيئة، لأن التاجر يهمه الاستمرار ولو بهامش ربح بسيط وعلى حساب النوعية، وخاصة أن غالبية الناس تبحث عن السلع الرخيصة وليست الجيدة!

وليس دقيقا القول بأن إعفاء القماش من الرسوم الجمركية سيساهم بتوفير الألبسة بسعر يناسب دخل ملايين الأسر، فإذا كان الإعفاء سيخفض التكلفة بنسبة 35 بالمئة، فهو يساعد بتصديرها لا بتسويقها محليا، فمعظم الألبسة المصنّعة بمواصفات رديئة ستبقى أعلى من القدرة الشرائية لملايين السوريين حتى لو تم تخفيض أسعارها بإعفاءات ضريبية وجمركية بنسبة 100%!!

ومع ذلك فإن التكاليف الحقيقية للألبسة مثل السلع الأخرى تبقى من أسرار المهنة لايمكن الكشف عنها لوزارتي التجارة الداخلية والمالية، بل إن غرف الصناعة ترفض أساسا رفع الأسعار الاسترشادية للأقمشة، لأنها حسب رأيها ستؤدي لرفع كلف الألبسة مما ينعكس سلباً على المواطن والتصدير.

الخلاصة: صناعة الألبسة الجاهزة لن تنتعش وتزدهر كما كان حالها قبل عام 2011 بالإعفاءات الجمركية ولا الضريبية، مالم تكن مصنعة للتصدير، لأن ملايين الأسر السورية في حال قررت بما يأتيها من حوالات خارجية إكساء أطفالها أو شراء ألبسة لهم في الأعياد فإنها ستتوجه إلى أسواق البالة، وليس إلى الألبسة المحلية سواء كانت مدرجة في قائمة الماركات أو مجهولة المصدر، حسب توصيف الجمارك!

البعث