كتب زياد غصن|
حسمت وزارة الاقتصاد السورية رأيها حيال التأثيرات المرتقَبة لخروج مرفأ بيروت من الخدمة، أو لتقلّص قدرته التشغيلية إلى حدّ كبير. بعد وقوفها على حجم الخسائر المحتملة، ومحاولتها استكشاف مجالات الاستثمار الممكنة، تَبيّن للوزارة أن ثمّة مجالاً لتحويل حدث 4 آب إلى فرصة لتوسيع دائرة الفائدة الاقتصادية للبلدين
منذ اللحظات الأولى للانفجار الذي تعرّض له مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس الماضي، انقسمت الآراء حيال التأثيرات المحتملة للحدث اللبناني على الاقتصاد السوري، بين مَن يعتقد أنها ستكون كبيرة بالنظر إلى أن المرفأ شَكّل خلال السنوات الأخيرة نافذة اقتصادية سورية على العالم في ظلّ الحصار الغربي على البلاد، وبين مَن يقلّل من حجم تلك التأثيرات، وإن كان لا ينفيها. أما وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية السورية فقد أجرت، أخيراً، مقاربة لما شهدته العاصمة اللبنانية موزَّعةً على ثلاثة ملفات، محاوِلةً من خلال ذلك لا الوقوف على حجم التداعيات السلبية للانفجار فحسب، وإنما أيضاً استكشاف ما قد يولّده من فرص بالنظر إلى المتغيّرات الاقتصادية التي يفرضها، وتالياً إمكانية توسيع دائرة الاستفادة المشتركة للبلدين.
في ما يتعلّق بالملف الأول، والذي ينظر في تأثّر المستوردات السورية بما حصل، تُبيّن مقاربة وزارة الاقتصاد أن المستوردات السورية من لبنان أو عبر لبنان لم تكن تُشكّل خلال السنوات الثلاث الأخيرة نسبة كبيرة من إجمالي مستوردات البلاد، فهي تراوحت وسطياً ما بين 8 – 9%، لا بل إنها خلال النصف الأول من العام الحالي شهدت، كما في العامين الأخيرين (2018 و2019)، تراجعاً ملحوظاً مقارنة بعام 2017، حيث تُظهر بيانات التجارة الخارجية انخفاض المستوردات السورية من السلع ذات المنشأ الأجنبي والمصدر اللبناني من حوالى 163 مليون يورو في عام 2018، لتُسجّل مع نهاية النصف الأول من العام الحالي حوالى 44 مليون يورو فقط. كذلك الأمر بالنسبة إلى السلع ذات المنشأ والمصدر اللبنانيَين، والتي انخفضت قيمتها هي الأخرى من حوالى 70 مليون يورو إلى حوالى 23 مليون يورو خلال النصف الأول من العام الحالي. وبناءً على تلك البيانات، تخلص وزارة الاقتصاد إلى أن خروج مرفأ بيروت من الخدمة لن يكون كارثياً على الاقتصاد السوري كما يُشاع، خاصة أن مستوردات البلاد الرئيسة كالمشتقات النفطية والقمح وغيرها يتمّ استيرادها عبر المرافئ السورية، فضلاً عن «الانعكاس الطبيعي لزيادة التوسّع في تطبيق سياسة ترشيد المستوردات على حجم وقيمة المستوردات من لبنان، لا سيما وأن هيكلة المستوردات تشي بوجود مواد يجري تصديرها على أنها ذات منشأ لبناني، في حين أن طبيعة القطاع الإنتاجي في لبنان لا تدعم كثيراً هذا الأمر».
في ما يتّصل بالملف الثالث، والذي لا يقلّ أهمّية عن سابقَيه، تبرز تأثيرات خروج مرفأ بيروت من الخدمة أو تقلّص قدرته التشغيلية إلى حدّ كبير على مستقبل عمل المرافئ السورية من جهة، وعلى حركة البضائع والسلع القادمة من أوروبا والأميركتَين باتجاه العراق وإيران ودول الخليج من جهة ثانية. هنا، يظهر أن مرفأ مرسين يتحضّر للاستئثار بالجزء الأكبر من تلك الحركة، فيما يستعدّ مرفأ حيفا للعب دور أكبر مع زيادة عدد «المطبّعين» العرب. وفي ظلّ العقوبات الاقتصادية على سوريا، وبالنظر إلى الحاجة لتطوير إمكانيات المرافئ السورية والخدمات التي تؤمّنها، فإن الفرص لا تبدو سهلة بالنسبة إلى مرفأَي طرطوس واللاذقية لسدّ الفراغ الذي سيُحدثه خروج مرفأ بيروت من الخدمة. لذلك، تطرح وزارة الاقتصاد السورية عدّة مقترحات أبرزها:
– السعي دولياً لرفع العقوبات عن المرافئ السورية ليتاح لها استيراد احتياجات سوريا ولبنان.
– التعاون مع الدول الصديقة لتطوير إمكانيات وقدرات مرفأي اللاذقية وطرطوس اللوجستية بما يُمكّنهما من استقبال الحمولات الكبيرة وعدد أكبر من السفن.
– إعادة هيكلة رسوم الشحن والترانزيت وكفاءة الإجراءات الجمركية وتسريع إجراءات الفحص وتطوير الخدمات اللوجستية لتعزيز تنافسية الشحن عبر المرافئ السورية.
– الإسراع بتحسين شبكات الطرق المحلية البرّية والسكك الحديدية التي تربط المرافئ السورية والمعابر الحدودية لزيادة كفاءة عمليات النقل والتجارة.
أما في ما يتعلّق بحركة الترانزيت التي كانت تنشط عبر مرفأ بيروت باتجاه الأراضي السورية، ومنها إلى العراق والأردن ودول الخليج، فإن الدراسة لم تُشِر صراحة إلى أيّ تقديرات حول حجم الخسائر المتأتّية من فقدان الرسوم التي كان يتمّ تقاضيها عن كلّ شاحنة تعبر الأراضي السورية كترانزيت، لتبقى مسألة استعادتها رهناً إمّا بتخفيف العقوبات الخارجية على مرفأَي طرطوس واللاذقية أو استعادة مرفأ بيروت لعافيته في أسرع وقت ممكن.