ثرثرة الشارع..!

326

يتحضّر مجلس الشعب للموافقة على قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية، أي بمعنى آخر قانون إدانة من يسمّونهم بالثرثارين الذين ينالون من هيبة الموظف العام، حيث تلاحق هؤلاء العقوبات المالية أو السجن ضمن مدد مختلفة تتراوح مابين 3 سنوات إلى 5 سنوات حسب المادة 22 و23 من مشروع القانون الذي أغفل وجود الوسائل الإعلامية على الشبكة، حيث لم يتطرق إلى هذا الموضوع، بما يتناقض مع الحريات الإعلامية التي ستكون بموقع إدانة حسب قانون الجريمة المعلوماتية.

وبكل تأكيد، لا يمكن إنكار إيجابية الكثير من مواد القانون الذي يضع ضوابط لاستخدام الشبكة بكل وسائلها، ويقلّل من الفوضى والاصطياد بكرامة الأشخاص والابتزاز، وغير ذلك من الجرائم التي يتفق الجميع على أهمية لجمها ومعاقبة مرتكبيها، بما فيها الشائعات وكلّ من تسوّل له نفسه التطاول على منظومة العمل المؤسّساتي بطريقة غير قانونية، ولكن في الوقت نفسه هناك العديد من إشارات الاستفهام حول التشدّد في عقوبة وإدانة الثرثارين الذين ينشرون الحقائق عن حالات فساد موجودة إلى جانب الممارسات غير القانونية لكبار الموظفين الذين يستثمرون مواقعهم لتحقيق منافع ذاتية والإساءة لمؤسّساتهم، وهذا يخالف مبدأ الرقابة الشعبية والمشاركة في تعرية مواقع الخلل التي شكّلت عبئاً كبيراً على الأجهزة الرقابية المتهمة أيضاً بالتغطية وتجاوز القانون لتحقيق المنفعة.

ولذلك، لا بد من توسيع دائرة التجريم في هذا القانون لتطال كل موظف عام ينشر معلومات مضلّلة للرأي العام، وبشكل يوهن عزيمة المواطن ويهدم جسور الثقة بينه وبين المؤسّسات الحكومية، أو من خلال تقاعسه وعدم قيامه بواجبه ومسؤولياته على أكمل وجه، بما يضعه ضمن دائرة التجريم والاشتباه بالفساد.

ولا شكّ أن التصريحات الحكومية تندرج ضمن مواد المشروع لجهة المحاسبة والمساءلة كونها تنشر على الشبكة وفيها الكثير من المغالطات، فمثلاً التأكيدات الأخيرة على تشديد الرقابة على الأسواق وضبط الأسعار وضمان انسياب جميع أنواع السلع والمواد الأساسية التي تحتاجها السوق المحلية، والتعاطي بحزم مع كلّ من يحتكر أو يضارب على المواد الأساسية بهدف رفع أسعارها، وهذا لم يحدث بل على العكس الأمور تسير في الاتجاه المعاكس، وفقاً للمعطيات ومؤشرات الأسواق، والأهم من ذلك كلّه مساهمة الحكومة في رفع الأسعار بشكل مباشر وغير مباشر عبر تصريحاتها التي تعقب كل اجتماع، هذا عدا عن الشلل الرقابي الذي تعاني منه!

بالمختصر.. “ثرثرة الشارع” تحاكي أوجاع الناس وأعباءهم، وتتضمن آمالهم ومطالبهم، وهي بمجملها نتاج الواقع المعيشي والاقتصادي المأساوي، أي “ثرثرة البؤساء” وهم يلاحقون رغيف الخبز، والذين باتوا أكثر عجزاً في تأمين أبسط مسلتزمات عيشهم، بينما الثرثرة الأخرى تسير في مسارات التنظير والأوهام التي تناجي واقعاً افتراضياً غير مسؤول ومخترقاً بالمخالفات، إضافة لعبثها الدائم بالحياة العامة تحت غطاء الظرف الاستثنائي.. فأين المحاسبة؟!!.

صحيفة البعث – بشير فرزان