أثر رفع سعر الفائدة من قبل “الفيدرالي الأمريكي” على الاقتصادات العربية

532

شارع المال|

سبقت المؤسسات المالية الدولية، اجتماع الفيدرالي الأمريكي الذي أعلنت نتائجه مساء الأربعاء، للحديث عن الأسواق النامية والناشئة.

وتصنف غالبية الدول العربية على أنها اقتصادات نامية، تتأثر مباشرة بأي قرار أمريكي برفع أسعار الفائدة، وتكون التأثيرات السلبية متفوقة على إيجابيات القرار، لذا فإنها تتابع ارتفاع أسعار الفائدة بقلق بالغ. 

يعتبر قرار رفع أسعار الفائدة، أحد عوامل الضغط خارج سيطرة راسمي السياسات النقدية والمالية للدول العربية، فهو تأثير مستورد ويفرض عليها مباشرة، بحكم اعتماد الدولار عملة رئيسة ثانية إلى جانب العملات المحلية.

ويأتي قرار رفع أسعار الفائدة اليوم، بينما غالبية الدول العربية غير النفطية تعاني من ضغوطات وضربات بدأت قبل عامين، مع تفشي جائحة كورونا، فاقمتها ضربة ارتفاع أسعار المستهلك منذ الربع الأخير 2021.

والضربة الثالثة تمثلت في الأزمة الأوكرانية وتبعاتها على سلاسل الإمدادات وتأثر الأسواق المالية وحدوث بعض التخارجات من أدوات الدين العربية، كما حصل في مصر مؤخرا.

جاءت الضربة الرابعة من جانب الفيدرالي الأمريكي الذي لم يكتف برفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، بل قال: إنه سيزيد أسعار الفائدة بشكل أكبر إن لم تستجب نسب التضخم المرتفعة في الولايات المتحدة، لقراراته.

هذه الضربات الأربع، تأتي بينما واجه معظم الاقتصادات العربية المستهلكة للنفط تباطؤا في وتيرة التعافي الاقتصادي أكبر، مما تواجه الاقتصادات المتقدمة.

وفق مدونة لصندوق النقد الدولي، فإن ما يُخشى حدوثه الآن، هو أن تتكرر نوبة الاضطراب التي وقعت في 2013، حين أدت مؤشرات مبكرة للتراجع عن عمليات شراء السندات الأمريكية، إلى اندفاع تدفقات رأس المال إلى خارج الأسواق الصاعدة.

تعتبر مصر حتى اليوم، إحدى البلدان الجاذبة للاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين، فيما رفع الفائدة الأمريكية وارتفاع عوائد السندات، قد يكثف من تخارج هذه الاستثمارات، ما قد يجبر البنك المركزي على رفع أسعار الفائدة.

ويعقد المركزي المصري اجتماع لجنة سياسته النقدية في 24 مارس/آذار الجاري، وسط توقعات برفع أسعار الفائدة فوق 10% لأول مرة منذ عام 2017.

لذا، فإن ارتفاع أسعار الفائدة في الاقتصادات المتقدمة، إذا كان مدفوعا بتوقع إجراءات أكثر تشددا من جانب البنوك المركزية، فمن شأنه أن يلحق الضرر باقتصادات الأسواق الصاعدة ومنها الاقتصادات العربية. 

الخطوة المتوقعة خلال الفترة القريبة المقبلة، هو تزايد تخارج الأموال الساخنة في أدوات الدين، لدى الاقتصادات العربية إلى الأسواق المتقدمة بقيادة الولايات المتحدة.

التبعات المباشرة للقرار الأمريكي برفع أسعار الفائدة، تتمثل في زيادة كلفة الاقتراض في الأسواق العربية، ما يعني تراجع فرص الاستثمار، وتراجع الاستهلاك، والنتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل نسبي.

وفي ذات السياق قال خبراء اقتصاديون: إن قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) برفع سعر الفائدة الأساسي ستؤدي إلى آثار سلبية على الدول الخليجية التي تربط عملاتها بالدولار.

وأضاف الاقتصاديون، أن من بين التأثيرات خفض السيولة في الأسواق المالية الخليجية، والضغط على أسعار الأسهم والسلع والعقارات، علاوة على رفع تكلفة الاقتراض للأفراد والشركات.

وقرار الرفع هو الأول في العام الجاري 2017، بعد آخر زيادة في أسعار الفائدة الرئيسية التي أعلن عنها في ديسمبر/كانون أول الماضي، والثالث خلال عقد من الزمن.

وفي خطوة مماثلة نفذت خمسة بنوك مركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي: السعودية، الإمارات، الكويت، قطر والبحرين، رفعاً فورياً لأسعار الفائدة بواقع ربع نقطة مئوية، في أعقاب قرار المركزي الأمريكي

فيما لم يعلن البنك المركزي العماني أية قرارات جديدة حول أسعار الفائدة.

وتربط الدول الخليجية، عملاتها بالدولار الأمريكي مما يحد من فرص تلك الدول في التمتع بسياسات نقدية مستقلة.

وحافظت خمس من دول مجلس التعاون الخليجي، على ربط عملاتها بالدولار الأمريكي لعقود، فيما ظلت الكويت هي الدولة الخليجية الوحيدة التي تربط عملتها بسلة من العملات.

خطوات مماثلة

قال الخبير الاقتصادي وضاح ألطه (عراقي مقيم في الإمارات): إن إقدام البنوك المركزية الخليجية بخطوات مماثلة لرفع الفائدة، يأتي في إطار ربط عملتها بالدولار الأميركي، “وهذه ليست المرة الأولى، دائماً ما تقوم البنوك المركزية بذلك”.

وأضاف ألطه إن سلطنة عٌمان قد تكون الدولة المستثناة من قرار رفع الفائدة باعتبارها الوحيدة التي لم تقم بتلك الخطوة في المرة السابقة.

وعُمان الوحيدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، التي لم ترفع رسمياً سعر الفائدة على خلفية قرار المركزي الأميركي في ديسمبر/ كانون الأول، إذ ترى أن دورة الاقتصاد في الولايات المتحدة مختلفة عن دورة اقتصادها المحلي.

وقال ألطه: إن الزيادة في أسعار الفائدة لا يعد أمراً جيداً، “خاصة وأنها تتزامن مع استمرار معاناة دول المنطقة من تباطؤ الأنشطة الاقتصادية بسبب تراجع العوائد النفطية”.

وتضررت دول الخليج كثيراً بسبب انخفاض أسعار النفط على مدى أكثر من عامين، وهو ما دفعها لاتخاذ إجراءات تقشفية من بينها خفض الدعم وفرض ضرائب لتنويع مصادر إيراداتها بعيدا عن الخام

وتوقع أن تواجه المصارف المركزية الخليجية، صعوبات أكبر للحفاظ على سياسة ربط عملاتها بالدولار، في ظل استعدادات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة في الأشهر القادمة.

وألمح مجلس الاحتياطي الفيدرالي، يوم الأربعاء، إلى إمكانية رفع أسعار الفائدة مجدداً خلال 2017، فيما يعبر عن ثقته في معدل نمو الاقتصاد الأمريكي.

تأثير تدريجي

من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي ومدير الأصول في شركة “المال كابيتال” ومقرها الإمارات طارق قاقيش، أن التأثير لن يكون كبيراً على الاقتصادات الخليجية مع زيادة أسعار الفائدة بربع نقطة مئوية.

وأضاف قاقيش، لكن مع استمرار رفع الفائدة الأمريكية تدريجياً في المرات المقبلة، سيحتم ذلك على دول المنطقة أن تسلك نفس المسلك، ما قد يؤدي إلى انسحاب السيولة من الأسواق المالية إلى الاستثمار في الودائع المصرفية، في ظل عائد أفضل ونسبة مخاطرة معدومة”.

وزاد: “إن اتجاه البنوك الخليجية لرفع الفائدة مثل الفيدرالي الأميركي، قد يؤدي إلى مزيد من نقص السيولة في القطاع المصرفي”.

وتعاني معظم البنوك الخليجية عموماً من نقص السيولة، وتزايد القروض المتعثرة بسبب التأثير الاقتصادي لهبوط أسعار النفط.

وتابع قاقيش، أن القطاع العقاري الخليجي والذي يعتبر المحرك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في بعض دول المنطقة، سيكون الأكثر تأثراً بالرفع المتتالي للفائدة حيث تؤثر معدلاتها طويلة الأجل في مستويات تمويل شراء العقارات.

أمر طبيعي

قال الخبير المصرفي أمجد نصر (أردني مقيم في الإمارات): إن قيام دول الخليج برفع الفائدة في أعقاب قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي، أمر طبيعي لا سيما وأن درجة الترابط بين السياسة النقدية الأمريكية، وسياسات الدول المثبتة لعملتها بالدولار تزيد إلى حد التطابق.

وتوقع نصر، تأثير رفع الفائدة سريعاً على البنوك الخليجية، حيث سترتفع تكلفة الاقراض للأفراد والمؤسسات، الأمر الذي يزيد من صعوبة وتكلفة التمويل.

وأوضح الخبير المصرفي أن تأثير رفع الفائدة سيضغط على نتائج أعمال البنوك، التي تأثرت سلبا بظروف تراجع السيولة في الآونة الأخيرة، نتيجة انخفاض الودائع الحكومية بسبب انخفاض أسعار النفط.

وشهد العام الماضي 2016 خاصة في نصفه الأول، أكبر تراجع لأسعار النفط الخام حول العالم منذ 13 عاماً، لكن الأسعار صعدت من مستوياتها المتدنية في النصف الثاني من العام ذاته، وقفزت إلى حدود 56 دولاراً للبرميل مطلع العام الجاري.

ويضم مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والتي تضخ نحو خمس معروض النفط العالمي وتعتمد على العائدات النفطية في تمويل إيرادات موازناتها، كلا من السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين وسلطنة عمان.