تجاهل “الباركود” فوت المليارات على الاقتصاد الوطني

630

لا تبدي كثير من المنشآت التجارية اهتماماً بوضع ترميز بالخطوط، والمسمى (باركود) أو (BARCODE) على سلعها، فيما تضع أخرى ترميزاً مزوراً أو وهمياً (مجرد أرقام غير ذات دلالة)، ولعل أكثر ما يظهر هذا الأمر في المنتجات الشعبية الرخيصة أو المقلدة سواء في عبواتها أم محتوياتها، ما يربك موظفي منافذ البيع التي تستخدم أجهزة الماسح الضوئي (سكانر)، ويحد من فرص التصدير في ضوء اشتراط الأسواق الخارجية وجود ترميز صحيح على السلع الداخلة إليها، فالترميز بات يمثل هوية المنتج؛ لأنه يشير إلى بلد المنشأ وكل البيانات التفصيلية للسلعة، التي تمكن العملاء والمستهلكين من الطلب وإعادة الطلب عليها..

عين على الأسواق..

ترميز الكثير من السلع في الأسواق المحلية لا يبعث على الاطمئنان، واسترعى انتباهنا من خلال جولة على بعض الأسواق في دمشق، وتفحص عديد المنتجات والعبوات عدم التزامها بوضعه على العبوات والأغلفة، في حين حمل بعض السلع ترميزاً مزوراً، أو ينتمي لدولة أخرى، إذ من المعروف أن لكل دولة ترميزاً خاصاً بها، يتكون من ثلاثة أرقام، وهو بالنسبة لسورية (621)، وفي بعض الحالات كان الرقم يعود لدول أخرى، أو رقماً ليس له صلة بأي من الدول الأعضاء في المنظمة الدولية للترميز، وهي منظمة غير حكومية وغير ربحية.

سألنا مدير مجمع الأمويين التابع للسورية للتجارة سليمان الحسن، هل تعانون من المنتجات غير المرمزة، أو تلك التي لا تحمل ترميزاً صحيحاً؟ فكان جوابه بالإيجاب، حيث توجد معاناة جزئية في هذا الاتجاه، ويتغلبون عليها عبر إعطاء ترميز خاص لكل منتج، كما يتم التعامل مع المنتجات التي لا تحمل أي ترميز بإدخال بياناتها يدوياً..

ولا تشكو منافذ البيع المتوسطة والصغيرة من وجود أو عدم وجود ترميز، وذلك بسبب عدم وجود نقاط بيع (POS) لديها، وبالتالي ليست لديها مشكلة مع السيطرة على المخزون، وهي لا تطلب كميات كبيرة من البضائع، كما أن عمليات البيع لديها ليست مؤتمتة، وبالتالي لا تنظر إلى وجود الترميز أو عدمه كمشكلة، وفقاً لما يرى بعض القائمين على المبيعات في هذه المنافذ.

70% غير نظامي

يعد الأمين العام لفرع المنظمة في سورية (GS1 SY) ربيع الحسواني هذه الظاهرة مشكلة خطرة، وتجاوزاً للأنظمة والقوانين المرعية محلياً في هذا الشأن، فضلاً عن أنظمة المنظمة، التي تشرف على هذا النشاط حصرياً حول العالم، داعياً المنتجين إلى ضرورة الاهتمام بترميز منتجاتهم ومنافذ البيع إلى تفحص العبوات عند الشراء للتأكد من دقة الترميز.

ويقدر الحسواني، الذي كان يتحدث لـ(البعث) نسبة السلع التي تحمل ترميزاً غير صحيح في الأسواق المحلية بنحو 70 بالمئة، وهذه النسبة المرتفعة تضر بالصناعة الوطنية والمستهلك؛ لأن جودة السلعة يجب أن تكافئ الثمن الذي دفعه هذا المستهلك، وفي الوقت نفسه تمكين الجهة الطالبة لهذه المنتجات من السيطرة على المخزون، وتوجيه طلباتها إلى الجهة المنتجة دون غيرها من خلال البيانات التي تتيحها عملية الترميز.

(بضاعتنا رُدت إلينا).. !

حاول بعض المنتجين قبل الأزمة وخلالها تصدير منتجاتهم إلى الأسواق الأوروبية، لكنهم تفاجؤوا برفضها في المعابر الحدودية هناك، وذلك لسبب وحيد وهو أنها لا تحمل ترميزاً صحيحاً، ما فوّت على الاقتصاد الوطني عوائد تقدر -وفقاً للحسواني- بمليارات الليرات السورية، ودفع هؤلاء المنتجين لإعادة النظر بترميز منتجاتهم حسب الأصول، فالتصدير ينشط أو يضعف لأبسط الأسباب.

ويجري العمل حالياً في المنظمة على إحداث قسم خاص تحت مسمى (GS1 SY CLOUD)، بهدف نشر معلومات حول المنتجات المحلية على المستوى العالمي، مع بيانات إضافية تتضمن التوصيف الكامل للمنتج والتعبئة، رقم تصنيف المنتج وفقاً للمنظمة، صورة المنتج، ما يتيح لأي مهتم باستيراد المنتجات السورية والتعرف عليها وتحديد طلبياته منها، وبالتالي فإن المنتج الوطني سيصل إلى زبائن ومستهلكين لا يعرفونه أصلاً، وهذا يشكل رديفاً مهماً لجهود التسويق والإعلان.

ترميز ما قبل الأزمة..

نجح فرع المنظمة في سورية قبل الأزمة في توسيع ثقافة التعاطي مع الترميز، ورفع قاعدة بياناته لتشمل نحو 1800 منشأة صناعية وتجارية، وقد وصل عدد المنتجات المرمزة حتى تاريخه إلى 191 ألف منتج، استحوذت -كما يبين الأمين العام للفرع- المنتجات الغذائية على 70 بالمئة منها، فيما توزعت النسبة المتبقية بين المنتجات الدوائية والتحويلية والمتفرقات بواقع 10 بالمئة لكل منها، وبقي حوالى 500 منشأة نشطة خلال الأزمة حتى الآن، ليشهد العام الجاري بدء التعافي الحقيقي في هذا القطاع، مع مراعاة أن المنتجات الغذائية والمنظفات والأدوية ظلت الأكثر طلباً على ترميز منتجاتها.

ثبات رغم الأزمة..

كان من أبرز الصعوبات التي واجهت الفرع أثناء الأزمة هو أن عدداً كبيراً من المصانع، ولاسيما المنتشرة في أرياف دمشق، حلب، حمص، حماة، خرجت من الخدمة، علماً بأن هذه المناطق تشكل نحو 80 بالمئة من النشاط الصناعي في البلاد، وعندها –يقول الحسواني- طلبت منا المنظمة إغلاق الفرع، لكن الأخير رفض الإغلاق، وأصر على تحمل مخاطر العمل وتقديم الخدمة لمن بقي من هذه المصانع، فهي عمل وطني أكثر منه تجاري، واستمر العمل مع المنشآت، التي تستهدف الأسواق الداخلية بالدرجة الأولى، ومن ثم أسواق التصدير المتاحة كالروسية والإيرانية والعراقية وغيرها..

مواصفة خاصة..

بات الترميز مطلباً ملحاً للصناعة الوطنية ولمنافذ البيع والمستهلكين في آن معاً، وبالتالي لا بد من ضبطه وتقنينه؛ ما دفع الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، بصفتها ممثلة للآيزو في سورية، لإصدار رقم قياسي للترميز، كما أصدرت وزارة الصناعة المواصفة القياسية رقم /3414/، والتي تنص على أن يخضع نظام هذه المواصفة لأحكام وقواعد المنظمة، وبالتالي فإن من يريد أن يرمز منتجاته، عليه أن يكون مسجلاً في المنظمة، ما يعني أن الترميز أصبح جزءاً من بطاقة البيان الخاص بالمنتج. علماً بأن الترميز يسهل عمليات البيع، وتنظيم الأرفف، والسيطرة على المخزون من الطلب وإعادة الطلب، ولاسيما للمنتجات الاستهلاكية سريعة الدوران.

حول الترميز..

يُمثل نظام الترميز بخطوط‏ متوازية متنوعة السماكات ومختلفة المسافات فيما بينها، وتعطي مجتمعة أشكالاً يمثل كل شكل منها حرفاً أو رقماً، ويتم من خلال هذا النظام التعرف على المنتج والبيانات الخاصة به لدى نقاط البيع  في المراكز التجارية الكبرى، وتزيد أنظمة الترميز المعروفة عالمياً عن العشرين، لكن أكثرها تداولاً هي الرمزية(EAN-13)، وتتألف من 13 رقماً، تخصص الأرقام الثلاثة الأولى لبلد المنشأ، بينما تمثل الخانات التسع الأخرى الرقم الدولي للمصنع أو الشركة، إلى جانب رقم السلعة والصنف والخلطة وغير ذلك من البيانات المتعلقة بهوية المنتج، ويمثل الرقم الأخير في الترميز رقم التحقق. ولا يعد الحصول على الترميز إلزامياً، ولكن في حال طلبه من المنشأة يجب أن تتوافر لديها ضوابط محددة، إذ لا بد أن تتقدم بمنتجاتها وسلعها إلى فرع المنظمة للدراسة وتحديد الاحتياجات، وبالثبوتيات المعروفة كالسجل الصناعي والتجاري وحماية الملكية لمنتجاتها، وبعد أن تسدد الرسوم يتم إصدار (باركود) خاص بهذه المنشأة عبر مقر المنظمة الرئيس في بلجيكا، وأخيراً إصدار شهادة بملكية الرقم الدولي.‏

المصدر: البعث – أحمد العمار